لِحُرْمَةِ الأُبُّوَةِ، وأَمَرَ سُرَاقَةَ بِجَمْعِ إبِلِ تِلْكَ الدِّيةِ [٣٢٢٩]، مِنْ أَجْلِ أنَّ سُرَاقَةَ كَانَ سَيِّدَ ذَلِكَ الحَيِّ، ثُمَّ دَفَعَهَا عُمَرُ إلى أَخِي المَقْتُولِ، لأَنَّهُ هُوَ الذِي انْفَرَدَ بِمِيرَاثِهِ، ولَمْ يَحْجِبْهُ أَبُوهُ عَنِ المِيرَاثِ، لأَنَّهُ لَمْ يَرِثْ ابْنَهُ المَقْتُولِ بِسَببِ قَتْلِهِ إيَّاهُ، وكُلُّ مَنْ لَا يَرِثْ فَلَا يَحْجِبْ وَارِثَاً عَنْ مِيرَاثِهِ، ولَيْسَ يُقْتَلُ الأَبُ بابْنِهِ، إلَّا أَنْ يُضْجِعَهُ الأَبُ فَيَذْبَحُهُ، فَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ بِهِ، والأُمُّ مِثْلُ الأبِ فِي هَذا، ولَكِنْ تُغَلَّظُ عَلَيْهِمَا الدِّيةُ، يَكُونُ فِيهَا ثَلاَثُونَ حِقَّةً، وثَلاَثُونَ جَذَعَةً، وأَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُويهَا أَوْلاَدَهَا، وهَكَذا حُكْمُ أَهْلِ الإبِلِ في تَغْلِيظِ الدِّيةِ عَلَيْهِمِ.
قالَ عِيسَى: وتَفْسِيرُ تَغْلِيظِهَا عَلَى أَهْلِ الوَرِقِ أَو الذَّهَبِ أَنْ يُنْظَرَ إلى قِيمَةِ [دِيةِ] (١) أَسْنَانِ الخَطَأ، فَيُعْرَفُ مَا قِيمَتُهَا، فإنْ قِيلَ قِيمَتُهَا سِتِّمَائةِ دِينَارٍ، قِيلَ: فَمَا قِيمَةُ أَسْنَانِ التَّغْلِيظِ، فإنْ قِيلَ ثَمَانِمَائةٍ، فَبَيْنَ القِيمَتَينِ مَائَتانِ، وَهُوَ مِقْدَارُ ثُلُثِ دِيةِ الخَطَأ، فَيُزَادُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَب أَو الوَرِقِ قَدْرَ مَا يَزِيدُهُ بهِ التَّغْلِيظُ عَلَى دِيةِ الخَطَأ قَلَّ ذَلِكَ أَو كَثُرَ، وكَذَلِكَ تُغَلًّظُ الدِّيةُ أَيْضَاً عَلَى الأَبِ إذا جَرَحَ ابْنَهُ جَرْحَا لَهُ فِيهِ قِصَاصٌ، كَمَا تُغَلَّظُ عَلَيْهِ الدِّيةُ فِي النَّفْسِ (٢).
* قالَ ابنُ القَاسِمِ: كَانَتْ قِصَّةُ أُحَيْحَةَ بنِ الجُلاَح فِي الجَاهِلِيَّةِ، وذَلِكَ أنَّهُ قَتَلَ قَرِيبَهُ طَمَعَاً مِنْهُ فِي أَنْ يَرِثَهُ فَحُرِمَ مِيرَاثَهُ، لأَنَّهُ لَا مِيرَاثُ لِمَنْ قتَلَ وَلِيَّهُ [٣٢٣١].
قالَ عِيسَى: قَوْلُهُ: (كُنُّا أَهْلَ ثُمَّةٍ وَرُمؤ)، يَعْنِي: خَؤولَةُ المَقْتُولِ الذِينَ كَانُوا قَدْ رَبّوهُ عِنْدَهُمْ، كُنَّا أَهْلُ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، الثُّمُّ: هُوَ الخَيْرُ، والرُّمُّ: هُوَ الشَّرُّ.
(حَتَّى إذا اسْتَوَى عَلَى عَمَمِّهِ)، يَعْنِي إذا اسْتَوى وتَمَّ وبَلَغَ عَلَيْنَا (حَقُّ امْرِئٍ فِي عَمِّهِ)، أَي: غَلَبَنَا عَلَى مِيرَاثِهِ حَقَّ عَصَبَتِهِ، فأَخَذُوا مَالَهُ وَوَجَبتْ لَهُمْ دِيَّتَهُ، ولَمْ يَكُنْ لِخَؤُلَةِ المَقْتُولِ مِنْ ذَلِكَ شَيءٌ، لأَنَّ الخَؤُولَةَ لَيْسُوا بِعَصَبةٍ، وإنَّمَا العَصَبةُ
(١) زيادة من (ق).(٢) نقله بنحوه ابن عبد البر في التمهيد ٢٢/ ٤٣٩، ثم قال: هذا مذهب مالك وأصحابه وعامة العلماء.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute