للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إسحاق، ثم رواه من حديث الثوري عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، مرسلًا (١)، فالله أعلم.

وقال الحافظ أبو يعلى: حَدَّثَنَا مسلم بن أبي مسلم الجرمي، حَدَّثَنَا مخلد بن الحسين، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك قال: لأول لعان كان في الإسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته، فرفعه إلى رسول الله فقال رسول الله : "أربعة شهود، وإلا فحد في ظهرك" فقال: يا رسول اللَّه إن اللَّه يعلم إني لصادق، ولينزلن اللَّه عليك ما يبرئ به ظهري من الجلد، فأنزل الله آية اللعان ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ … ﴾ إلى آخر الآية، قال: فدعاه النَّبِيّ فقال: "اشهد بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا" فشهد بذلك أربع شهادات، ثم قال له في الخامسة: "ولعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا" ففعل، ثم دعاها رسول اللَّه فقال: "قومي فاشهدي بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماك به من الزنا" فشهدت بذلك أربع شهادات، ثم قال لها في الخامسة: "وغضب اللَّه عليك إن كان من الصادقين فيما رماك به من الزنا" قال: فلما كانت الرابعة أو الخامسة، سكت سكتة حتَّى ظنوا أنها ستعترف، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت على القول، ففرق رسول اللَّه بينهما، وقال: "انظروا فإن جاءت به جعدًا حمش الساقين، فهو لشريك بن سحماء، وإن جاءت به أبيض سبطًا قضيء العينين (٢)، فهو لهلال بن أُمية "فجاءت به آدم جعدًا حمش الساقين، فقال رسول اللَّه : "لولا ما نزل فيهما من كتاب اللَّه لكان لي ولها شأن" (٣).

﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١١)﴾.

هذه العشر آيات كلها نزلت في شأن عائشة أم المؤمنين حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت والفرية التي غار الله ﷿ لها ولنبيه صلوات اللَّه وسلامه عليه، فأنزل اللَّه تعالى براءتها صيانة لعرض رسول الله فقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ﴾ أي: جماعة منكم، يعني: ما هو واحد ولا اثنان بل جماعة، فكان المقدم في هذه اللعنة عبد اللَّه بن أُبي ابن سلول رأس المنافقين، فإنه كان يجمعه ويستوشيه، حتَّى دخل ذلك في أذهان بعض المسلمين فتكلموا به، وجوزه آخرون منهم، وبقي الأمر كذلك قريبًا من شهر حتَّى نزل القرآن، وسياق ذلك في الأحاديث الصحيحة.

قال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا عبد الرزاق، حَدَّثَنَا معمر، عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود، عن حديث عائشة زوج النَّبِيّ حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها اللَّه تعالى، وكلهم قد حدثني بطائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت لها اقتصاصًا، وقد وعيت عن كل واحدٍ


(١) أخرجه البزار كما في كشف الأستار (ح ٢٢٣٧)، وقال الهيثمي: رجاله ثقات (مجمع الزوائد ٧/ ٧٤)، وفي سنده يونس بن أبي إسحاق، وهو السبيعي: صدوق يهم قليلًا (التقريب ص ٦١٣) وأبوه مدلس ولم يصرح بالسماع، وتارة يرويه مرسلًا، وتارة موصولًا.
(٢) أي: أقمر العينين.
(٣) أخرجه أبو يعلى بسنده بنحوه (المسند ٥/ ٢٠٧ ح ٢٨٢٤) وصححه محققه، وأخرجه مسلم من طريق هشام به (الصحيح، اللعان ح ١٤٩٦).