وأما قوله:(أنا مقرّ به) .. فلأن المفهوم منه: الاعتراف.
قال الرافعي: وكلامهم يدل: على أن الحكم بكونه إقرارًا .. محله: ما إذا خاطبه فقال: (أنا مقر به لك)، وإلا .. فيحتمل الإقرار به لغيره (١).
(ولو قال:"أنا مقر") ولم يقل: (به)، (أو "أنا أقر به" .. فليس بإقرار) أما الأول: فلجواز أن يريد الإقرار بالوحدانية، أو ببطلان دعواه، وأما الثاني: فلاحتمال الوعد بالإقرار في ثاني الحال.
(ولو قال:"أليس لي عليك كذا؟ " فقال: "بلى"، أو "نعم" .. فإقرار، وفي "نعم": وجه).
اعلم: أن أهل اللغة قالوا: إن (بلى) تكذيبٌ للنفي الذي دخل عليه الاستفهام، و (نعم) تصديقٌ له؛ فإذا قيل بعد (ألم يقم زيد؟ ): نعم .. فمعناه: لم يقم، وإن قيل:(بلى) .. فمعناه: أنه قام؛ لأن نفيَ النفيِ إثبات.
إذا تقرر هذا .. فالجزم في مسألتنا بأن بلى إقرار .. قد اجتمع عليه العرف واللغة، ومنشأ الخلاف في (نعم): تعارُض العرف واللغة، فوجه الأصحِّ: أن الإقرار يُحمَل على مفهوم أهل العرف لا على دقائق العربية، ووجه مقابله: أن ذلك مقتضاه في اللغة، ورجحه ابن الرفعة (٢).
(ولو قال:"اقضِ الألف الذي لي عليك"، فقال:"نعم"، أو "أقضي غدًا"، أو "أمهلني يومًا"، أو "حتى أقعد"، أو "أفتح الكيس"، أو "أجد" .. فإقرارٌ في الأصحِّ) لأنه المفهوم من هذه الألفاظ عرفًا، والثاني: لا، لأنه ليس بصريح في الالتزام.
(١) الشرح الكبير (٥/ ٢٩٧). (٢) كفاية النبيه (١٩/ ٣٦٤).