أي: ليأت الحسن في شأنهما دون القبح، وحجته ما في العنكبوت {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}[آية: ٨] لم يختلف فيه، فأما الباء في قوله:{بِوَالِدَيْهِ} فإنها تتعلق بوصينا بدلالة قوله: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ}[الأنعام: ١٥١ - ١٥٣] ويجوز أن تتعلق بالإحسان, يدل على ذلك قوله:{وَقَدْ أَحْسَنَ بِي}[يوسف: ١٠٠] وعلى هذا تعلقها بمضمر يفسره الإحسان؛ لأنه يجوز تقدمها على الموصول، ولكن يضمر ما يتعلق به، ويجعل الإحسان مفسرًا لذلك المضمر، كأنه قيل: ووصينا الإنسان أن يحسن بوالديه، ومثل هذا قول الراجز:
كان جَزَائِي بالعَصا أَنْ أُجْلَدَا (١)
في قول من علق الباء بالجلد، ولم يعلقه بالجزاء (٢) قوله: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا} وقرئ (كَرْهًا)(٣) والكَرْه المصدر من كَرِهْتُ الشيء أَكْرَهُهُ، والكُرْه الاسم، كأنه الشيء المكروه، قال الله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}[البقرة: ٢١٦] فهذا (٤) وقال: {أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}[النساء: ١٩] فهذا في موضع حال، ولم تقرأ بغير الفتح، فما كان مصدرًا أو في موضع الحال فالفتح فيه أحسن، وما كان اسمًا نحو: ذهب به على كُرهٍ، كان الضم فيه أحسن، وقد قيل إنهما لغتان، فمن ذهب إلى ذلك جعلهما مثل الشَّرْبِ والشُّرْب، والضَّعف والضُّعف، والفَقْر والفُقْر،
(١) الرجز للعجاج. انظر: "المحتسب" ٢/ ٣١٠، و"شرح الأبيات المشكلة الإعراب" لأبي علي ص ١١٩، و"الحجة" ٦/ ١٨٢. (٢) انظر: "الحجة" لأبي علي ٦/ ١٨٢. (٣) وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبو عمرو. انظر: "الحجة" ٦/ ١٨٤. (٤) فيه زيادة لفظ (بالضم). انظر: "الحجة" ٦/ ١٨٤.