وجود الأثر إلا بمؤثِّره التامِّ؛ فإن لم يحصل فعله لم يحصل فعل العبد، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ﴾ [النحل: ٣٧].
وهذا صريحٌ في أن هذا الهدى ليس له ﷺ، ولو حرص عليه، ولا إلى أحدٍ غير الله، وأن الله سبحانه إذا أضلَّ عبدًا لم يكن لأحدٍ سبيلٌ إلى هدايته، كما قال تعالى: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ﴾ [الأعراف: ١٨٦](١).
المرتبة الرابعة: الهداية إلى الجنَّة والنار يوم القيامة، قال تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٢٢ - ٢٣].
فهذه هدايةٌ بعد قتلهم؛ فقيل: المعنَى: سيهديهم إلى طريق الجنَّة، ويصلح بالهم في الآخرة بإرداء خصومهم وقبول أعمالهم (٢).
ثانيًا: المخالفون لأهل السنَّة في مسألة الهداية والإضلال:
وقد خالف في ذلك طائفتان:
الطائفة الأولى:(القدريَّة).
أثبتوا هداية الإرشاد فقط، وأنكروا هداية التوفيق، والإضلال. وقالوا: إن العبد يهتدي بنفسه، ويَضِلُّ بنفسه، والله لا يهدى أحدًا ولا يُضِلُّ أحدًا، بل قالوا: إن الله لا يقدر أن يهدي ضالًّا، ولا يُضِلَّ مهتديًا، ولا يقدر أن يجعل المسلم مسلمًا والكافر كافرًا، وإنما ذلك بجعلهم أنفسهم كذلك.
(١) انظر: شفاء العليل (١/ ٢٦٦). (٢) انظر: المصدر نفسه (١/ ٢٧٦).