الأول: أن تلك النقول عن الأئمة ليست قاطعة في نسبة قتادة للقول ببدعة القدرية.
فمنها ما ورد بصيغة التمريض كقول يحيى بن معين والذهبي:«رمي بالقدر» وما ورد بصيغة التمريض، ك «قيل» و «روي» و «ذكر» بالبناء لما لم يذكر فاعله (١) فهذه الصيغة موضوعة لبيان ضعف الحديث أو الشك في صحته، وقيل:«لا يستفاد منها صحة ولا تنافيها»(٢) فهي على كل حال لا تدل على صحة، وقول بعض الأئمة:(رمي بالقدر) لا تدل على الجزم بذلك فلا يبنى عليها حكم.
ومنها ما ورد بصيغة:«يقول بشيء من القدر» كما في قول ابن سعد والعجلي وهذه الصيغة تدل على التقليل، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ﴾ [البقرة: ١٥٥] قال ابن كثير في تفسيرها: «أي: بقليل من ذلك»(٣). وقال السعدي:
(١) كان بعض متأخري النحاة يعبرون عند الإعراب عن الفعل المذكور بعبارة: (مبني للمجهول)، وهذا مما لا يليق بالله ﷿ إذا كان في مقام الحديث عن أفعال الله-وكان المتقدمون يعبرون بقولهم: (ما لم يُسَمَّ فاعله)، وهذا التعبير أفضل من تعبير المتأخرين إلا أن في قولهم: (لم يسم) محذور آخر من جهة نفي التسمية عن الله، ولهذا رأيت أن استبدلها بلفظ يقوم مقامها ويؤدي معناها مع البعد عن العبارة المشتبهة وذلك بالتعبير ب (ما لم يذكر فاعله)، وقد التزمت هذا في كتاب (الاختلاف في القراءات) ابتغاء أن يكون سنة حسنة يقتدى بها ويعتاض بها عن الألفاظ غير اللائقة بمقام العزيز الحميد. (انظر: الاختلاف في القراءات. ص: ١٢). وبعد طبع الكتاب اطلع على هذا أحد كبار النحويين المعاصرين وهو الشيخ الفاضل المحقق: محمد أحيد عمر فاستحسنه واستملحه. (٢) الباعث الحثيث (ص: ٣٤، ٩١). (٣) تفسير ابن كثير (١/ ٤٦٧).