المعنى: أن انتفاء الضرب كان من أجل التأديب، لأنه قد يؤدب بعض الناس (١) بترك الضرب لا بالضرب. ولا يستبعد تعلق الجال بالحرف الذي فيه معنى النفي لجواز قولهم: ما أكرمته لتأديبه، وما أهنته للإحسان إليه. فإنك لو علقت ههنا بالفعل (٢) فسد المعنى، إذ لم ترد أنك أكرمته تأديبا، ولا أهنته إحساناً، وإنما يتعلق بما في الحرف من معنى: انتفى، لأن المعنى: أن انتفاء الإكرام لأجل التأديب، وانتفاء الإهانة لأجل الإحسان. وقوله تعالى:{ما أنت بنعمة ربك بمجنون}(٣). الباء في: بنعمة ربك، متعلقة بالنفي، لا بقوله: بمجنون (٤)، إذ لو علق به لكان المراد نفي جنون من نعمة الله، وذلك غير مستتقيم من وجهين: أحدهما: أنه لا يوصف جنون بأنه من نعمة الله. والآخر: أنه لم يرد نفي جنون مخصوص. وإنما أريد نفيه عموماً فتحقق أن المعنى: أنه انتفى عنك الجنون مطلقاً بنعمة الله، وعلى هذا يحكم في التعلق، فإن صح تعلقه بالفعل وإلا علق بالحرف على ما تقرره (٥).
وعلى هذا قوله تعالى:{ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم}(٦). في أن معناه: في أن تبتغوا، فهي متعلقة بجناح. والمعنى: أن الجناح في انتفاء التجارة منتف، وتعلقه بليس بعيد لأنه لم يرد أن ينفي الجناح مطلقاً، ويجعل ابتغاء التجارة ظرفاً للنفي. فهذا يبعد أن يكون متعلقاً. والله أعلم بالصواب.
(١) الناس: ساقطة من م. (٢) في م: بالقول. وهو تحريف. (٣) القلم: ٣. (٤) قال الزمخشري: "يتعلق بمجنون منفيا". الكشاف ٤/ ١٤١. (٥) في م: تقدم. (٦) البقرة: ١٩٨.