وتركوا كتاب الله، وإني والله لا أشوبُ كتاب الله بشيء أبداً" (١).
وهذا الأثر يدلّ على أن عمر بن الخطاب ﵁ كان يرى جواز جمع السُّنَّة وكتابتها، ولولا ذلك ما استشار الصحابة الكرام، ولا أشاروا عليه بذلك، وإنما تراجع عن ذلك للأسباب التي ذكرنا.
٤ - وأول محاولة لتدوين السُّنَّة النبوية وجمْعها، على نحو شامل رسمي، كانت على يد الخليفة الأموي: عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى (ت: ١٠١ هـ)، عندما كَتَبَ إلى عامله في المدينة المنورة أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (ت: ١٢٠ هـ)(٢)، يقول له: "انظر ما كان من حديث رسول الله ﷺ فاكتبه، فإني خِفْتُ دروسَ العلم وذهابَ العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي ﷺ، ولتَفْشوا العِلْم، ولِتَجْلسوا، حتى يَعْلَم من لا يَعْلَم، فإن العلم لا يهلِك حتى يكون سِرَّاً (٣) " (٤).
٥ - وواضحٌ أن عمر بن عبد العزيز ﵀ لم يُقْدِم على هذا العمل إلا بعد أن رأى نشاط علماء التابعين في كتابة السُّنَّة، فأحبَّ أن يتحوَّل الأمر من عَمَلٍ
(١) "تقييد العلم" للخطيب ص ٤٩، ورجاله ثقات، إلا أن عروة لم يسمع من عمر كما في "تهذيب التهذيب" ٧/ ١٥٨، وقد رواه الخطيب في الموضع نفسه من طريق آخر عن عروة بن الزبير، عن عبدالله بن عمر، عن عمر ﵁، بزيادة عبد الله بن عمر، وإسناده صحيح. (٢) اسمه كنيته، كان قاضي المدينة وأميرها زمن عمر بن عبد العزيز، ثقة كثير الحديث، كما قال ابن سعد في "طبقاته" ٥/ ٣٣٦. (٣) "صحيح البخاري» ١/ ٣١. (٤) ويقال أن المنيّة قد اخترمت عمر بن عبد العزيز ﵀ قبل أن يرى ما جمعه أبو بكر ابن حزم من الصحف، كما نقله القاسمي في "قواعد التحديث" ص ٧١.