فقد كانوا يسألون عن الإسناد، ويتحرَّون ثقة الرواة، والتأكد من سلامة عقيدتهم، خاصة بعد ظهور الفتن والبدع. ومن أمثلة ذلك: ما صحَّ عن محمد سيرين ﵀(ت: ١١٠ هـ) أنه قال: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلمَّا وقعت الفتنة (١)، قالوا: سمّوا لنا رجالكم، فيُنظر إلى أهل السُّنَّة فيؤخذ حديثهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم"(٢).
وعن سليمان بن موسى، أنه لقي طاووس بن كيسان ﵀(ت: ١٠٦ هـ)، أحد أئمة التابعين، فقال له:"إن رجلاً حدَّثني بكيتَ وكيتَ. فقال له طاووس: "إن كان مليّاً فخذ منه" (٣). أي ثقة ضابطاً متقناً لما يروي.
رابعاً: إقلالهم من الرواية:
فقد كان علماء التابعين رحمهم الله تعالى يسلكون طريقة شيوخهم من الصحابة الكرام، في الإقلال من الرواية، وعدم التوسع فيها، خشية الوقوع في الخطأ أو الكذب على النبي ﷺ، من غير قصد.
فعن عامر الشعبي (ت: ١٠٣ هـ)، أحد أئمة التابعين، قال: "لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ، ما حدَّثتُ إلا بما أجمع عليه أهل الحديث" (٤).
وعن خالد الحَذَّاء ﵀(ت: ١٤١ هـ) قال: "كنا نأتي أبا قلابة ﵀
(١) المراد بالفتنة هنا: الفتنة التي ظهرت في زمن عثمان بن عفان وأدت إلى تمزق الأمة سياسياً وظهور الأهواء، ينظر "بحوث في تاريخ السنة" ص ٤٨. (٢) "صحيح مسلم» ١/ ١٥. (٣) المصدر السابق ١/ ١٥. (٤) "تذكرة الحفاظ" ١/ ٧٧.