قال: كان عبد الله يعني ابن مسعود يذكّر الناس في كلّ خميس، فقال له رجلٌ: يا أبا عبد الرحمن لوددتُ أنك ذكّرتنا كلّ يوم؟ قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلَّكم، وإني أتخوَّلكم بالموعظة، كما كان النبي ﷺ يتخوَّلنا بها، مخافة السآمة (١) علينا" (٢).
قال النووي ﵀: "في هذا الحديث الاقتصاد في الموعظة، لئلا تَمَلَّها القلوبُ، فيفوتُ مقصودها" (٣).
ويلحق بالموعظة غيرها من العبادات؛ كصلاة النوافل، وتعلّم العلم، فينبغي الاقتصاد فيها وترك التطويل، واختيار الوقت المناسب.
[٤ - مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين]
فقد كان النبي ﷺ يخاطب كلّ إنسان بما يناسب عقله، وعلى مقدار ما يستوعبه فهمه، حتى لا تَشْتَبه عليه الأمور، فيذهب في معناها إلى غير ما أُريد بها.
وقد عقد الإمام البخاري ﵀ في صحيحه لهذا المعنى باباً عظيماً، فقال: "باب من خَصَّ بالعلم قوماً دون قوم، كراهية أن لا يفهموا"، ثم أورد تحته حديث أنس بن مالك ﵁: أن النبي ﷺ، ومعاذ رديفه على الرَّحل، قال:«يا معاذ بن جبل»، قال: لبيكَ يا رسول الله وسعديك، قال:«يا معاذ»، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً، قال: «ما من أحدٍ يشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، صِدْقَاً من قلبه، إلا حرَّمه الله على
(١) السآمة بالمد: الملل والضجر والنفور. (٢) "صحيح البخاري» (٧٠)، "صحيح مسلم» (٢٨٢١)، واللفظ للبخاري. (٣) "شرح النووي على صحيح مسلم» ١٧/ ١٦٤.