وإنَّ امْرأً قد سَارَ ستينَ حِجَّةً … إلى مَنْهَلٍ مِن وِرْدِه لَقريبُ
يا من يفرَحُ بكثرة مرور السِّنين عليه، إنما تفرَحُ بنقْص عمرك. قال (١) أبو الدَّرداء والحسن رضي الله عنهما: إنما أنتَ أيامٌ، كلَّما مضَى منك يومٌ مضَى بعضُك.
[وأنشد بعضهم] (٢):
إنَّا لنفرَحُ بالأيَّام نَقْطَعُها … وكُلُّ يومٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الأَجَلِ
فاعْملْ لنفسِكَ قبلَ الموتِ مجتهدًا … فإنَّما الرِّبْحُ والخسرانُ في العَمَلِ
قال بعضُ الحكماء: كيفَ يفرحُ بالدنيا مَن يومُه يهدِمُ شهرَه، وشهرُه يهدِم سنتَه، وسنتُه تهدِمُ عمرَه؟! كيف يفرح مَن يقودُه عمرُه إلى أجله، وحياتُه إلى موته؟!
نجد (٣) سرورًا بالهلال إذا بَدَا … وما هُوَ إلَّا السَّيفُ للحَتْفِ يُنْتَضَى
إذا قيلَ تمَّ الشَّهرُ (٤) فهو كنايةٌ … وترجمةٌ عن شَطْرِ عُمْرٍ قَد انْقَضَى
قال الحسن: الموتُ معقودٌ بنواصيكم، والدنيا تُطْوَى من ورائكم.
نَسيرُ إلى الآجال في كُلِّ لحظةٍ … وأعمارُنا تُطوى وهُنَّ مراحِلُ (٥)
تَرحَّلْ من الدنيا بزادٍ من التُّقَى … فعُمْرُك أيَّامٌ وهُنَّ قلائلُ
قال بعضُ الحكماء: من كانت الليالي مطاياه سارتا به وإن لم يَسِر.
وما هذه الأيام إلَّا مراحلُ … يحثُّ بها حادٍ إلى الموت قاصِدُ
وأعجَبُ شيءٍ لو تأمَّلْتَ أنَّها … منازِلُ تُطْوَى والمسافرُ قاعِدُ
[قال بعضُ الحكماء: قد اعتورَكَ الليلُ والنَّهارُ، يدفعك (٦) الليلُ إلى النهار، ويدفعك النهارُ إلى الليل، حتى يأتيكَ الموت:
(١) في آ: "قال الحسن وأبو الدرداء"، وفي ش: "قال الحسن عن أبي الدرداء".
(٢) زيادة من نسخة ش.
(٣) في ش: "تزيد"، وصححت في هامش (ع) بـ"نجدد".
(٤) في ش، ع: "العام".
(٥) بعدها في ب: "وهن مراحل"، وفي ط: "وهي مراحل".
(٦) في ش، ع: "فالليل يدفعك إلى النهار، والنهار يدفعك إلى الليل"، وأثبت ما جاء في (آ).