جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} (١). تلا بعضُ السَّلف هذه الآية وبكى، وقال: إذا جاء الموت لم يُغنِ عن المرء ما كان فيه من اللذَّة والنعيم. وفي هذا المعنى ما أنشدَه أبو العتاهية للرشيد حين بنَى قصرَه واستدعى إليه ندماءه، [ثم قال له: ما تقول فيما نحن فيه؟ فأنشده هذه الأبيات](٢):
عِشْ ما بدا لك سالمًا … في ظِلِّ شَاهِقَةِ القُصُورِ
يَسْعَى عليكَ بما اشْتَهَيْـ … ـتَ لَدَى الرَّواحِ وفي البُكُورِ
فإذا النُّفوسُ تَقَعْقَعَتْ … في ضِيقِ حَشْرَجةِ الصُّدورِ
فهناكَ تَعْلَمُ مُوقِنًا … ما كنْتَ إلَّا في غُرورِ
في "صحيح البخاري"(٣) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال:"أَعْذَرَ (٤) اللهُ إلى من بلَّغه ستين من عُمْره". وفي الترمذي (٥): "أعمارُ أُمَّتي ما بينَ السِّتِّين إلى السَّبعين، وأقلُّهم مَن يَجُوزُ ذلك". وفي رواية:"حَصَادُ أُمَّتي مَن بلَغَ الخمسين، فقد تنصَّفَ المائة فماذا ينتظر".
لو كان عُمْري مائةً هَدَّني … تَذَكُّرِي أنِّي تنصَّفْتُها
في بعض الكتب السَّالفة: إنَّ لله مناديًا يُنادي كُلَّ يومٍ أبناءَ الخمسين: زَرْعٌ دنا حصادُه، أبناءَ السِّتين: هلموا إلى الحساب، أبناء السَّبعين: ماذا قدَّمتم وماذا أخرتم؟ أبناءَ الثمانين: لا عذرَ لكم. ليت الخلْقَ لم يُخلقوا، وليتهم إذ خُلِقُوا علِموا لماذا خُلِقوا، وتجالَسُوا بينهم فتذاكروا ما عمِلوا، ألا أتتكم السَّاعة فخذوا حذرَكم. وقال
(١) سورة الشعراء الآيات ٢٠٥ - ٢٠٧. (٢) لم ترد الآبيات في ديوانه بتحقيق الدكتور شكري فيصل. (٣) البخاري رقم (٦٤١٩) في الرقاق: باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر إلى الله. وفيها "أَعْذَرَ الله إلى امرئٍ أَخَّر أجلَه حتى بلغ ستين سنة". (٤) الإِعذار: إزالة العذر، والمعنى أنه لم يُبْق فيه موضعًا للاعتذار، حيث أمهلَه طولَ هذه المدة ولم يعتذر. وأعذر إليه: إذا بلغه أقصى الغاية في العذر، ومكنه منه. (٥) الترمذي رقم (٢٣٣١) في الزهد: باب ما جاء في فناء العمر، ورقم (٣٥٥٠) في الدعوات، باب رقم (١٠٢)، وابن ماجه رقم (٤٢٣٦) في الزهد: باب الأمل والأجل.