بسم الله، وإذا قعدْتُ قلْتُ: الحمد لله، فانا أحبُّ أَن يبقَى لي هذا. وقيل لشيخ آخر منهم: ما بقي مِمَّا تحبُّ له الحياة؟ قال: البكاء على الذنوب. ولهذا كان السَّلفُ الصالح يتأسَّفون عند موتهم على انقطاع أعمالهم عنهم بالموت. وبكى معاذٌ عند موته وقال: إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالرُّكَب عند حِلَق الذِّكر. وبكى عبد الرحمن بن الأسود عند موته، وقال: وا أسفاه على الصوم والصلاة، ولم يزلْ يتلو القرآنَ حتى مات. وبكى يزيد الرقاشي عند موته، وقال: أبكي على ما يفوتُني من قيام الليل وصِيام النَّهار، ثم بكى وقال: من يصلي لك يا يزيدُ بعدَك؟ ومن يصومُ ومن يتقرَّب لك بالأعمال الصالحة؟ ومن يتوبُ لك من الذنوب السَّالفة؟. وجَزِعَ بعضُهم عند موته، وقال: إنما أبكي على أن يصومَ الصائمون لله ولستُ فيهم، ويصلِّي المصلُّون ولستُ فيهم، ويذكُرَ الذَّاكرون ولستُ فيهم، فذلك الذي أبكاني.
في "الترمذي"(١) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "ما مِن ميت مات إلَّا نَدِمَ؛ إن كان مُحْسِنًا نَدِمَ أن لا يكونَ ازْدَادَ، وإن كان مُسِيئًا ندِمَ أن لا يكونَ استعتبَ"(٢). إذا كان المحسن يندَمُ على ترك الزِّيادة، فكيفَ يكون حالُ المسيء؟ رأى بعضُ المتقدِّمين في المنام قائلًا يقولُ له:[قل](٣):