فأيَّام التشريق يجتمع فيها للمؤمنين نعيمُ أبدانهم بالأَكْل والشُّرب، ونعيمُ قلوبهم بالذِّكر والشكر؛ وبذلك تتمّ النِّعمة (٢)، وكلما أحدَثُوا شكرًا على النِّعْمة كان شكرُهم نعمةً أخرى، فيحتاج إلى شكر آخر، ولا ينتهي الشكر أبدًا (٣).
إذا كان شُكْرِي نِعْمَةَ اللهِ نِعْمَةً … عليَّ لَهُ في مِثْلِها يَجِبُ الشُّكْرُ
وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "إنَّها أيام أكْلٍ وشُرْبٍ وذِكْرِ اللهِ عزَّوجلَّ" إشارةٌ إلى أنَّ الأكل في أيَّام الأعياد والشُّربَ إنَّما يُستعانُ به على ذِكْر اللهِ تعالى وطاعتِه، وذلك من تمام شُكْر النَّعمة أن يستعانَ بها على الطاعات. وقد أمر الله تعالى في كتابه بالأكل من الطيِّبات والشكر له، فمن استعان بنعم الله على معاصيه فقد كَفَر نِعْمَةَ اللهِ وبدَّلها كُفْرًا، وهو جديرٌ أن يُسْلَبَها، كما قيل:
(١) لم يرد هذا البيت في ش، وهو بوزن مختلف (٢) في ب، ط: "النعم". (٣) البيتان مع آخرين لمحمود الوراق، أوردها ابن أبي الدنيا في كتاب "الشكر" ص ١٠٤ بتحقيقنا، والحصري في "زهر الآداب" ١/ ٨٩، وبعدهما. إذا مَسَّ بالسَّرَّاء عَمَّ سُرورُها … وإن مَسَّ بالضَّرَّاء أعقبها الأَجْرُ وما منهما إلَّا له فيه مِنَّةٌ … تضيقُ بها الأوهامُ والبَرُّ والبَحْرُ (٤) في ب، ط: "وقوع".