[الروم: ٢] فَكَانَتْ فَارِسُ يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَاهِرِينَ لِلرُّومِ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ ظُهُورَ الرُّومِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَفِي ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ: ﴿يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُحِبُّ ظُهُورَ فَارِسَ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ وَلَا إِيمَانٍ بِبَعْثٍ.
فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَصِيحُ فِي نَوَاحِي مَكَّةَ: ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ [الروم: ١] قَالَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِأَبِي بَكْرٍ: فَذَلِكَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، زَعَمَ صَاحِبُكُمْ أَنَّ الرُّومَ سَتَغْلِبُ فَارِسًا فِي بِضْعِ سِنِينَ، أَفَلَا نُرَاهِنُكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: بَلَى. وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّهَانِ، فَارْتَهَنَ أَبُو بَكْرٍ وَالمُشْرِكُونَ، وَتَوَاضَعُوا الرِّهَانَ، وَقَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ: كَمْ تَجْعَلُ البِضْعُ؟ ثَلَاثَ سِنِينَ إِلَى تِسْعِ سِنِينَ؟ (١)، فَسَمِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ وَسَطًا تَنْتَهِي إِلَيْهِ. قَالَ: فَسَمَّوْا بَيْنَهُمْ سِتَّ سِنِينَ.
(١) في «شرح مشكل الآثار» (٧/ ٤٤٤): عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ: الْبِضْعُ مَا بَيْنَ الْوَاحِدِ إِلَى الْأَرْبَعَةِ. وَوَجَدْنَا الْخَلِيلَ بْنَ أَحْمَدَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَدْ خَالَفُوهُ فِي ذَلِكَ، وَقَالُوا: الْبِضْعُ مِنَ الْعَدَدِ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشَرَةِ. قَالُوا جَمِيعًا: إِنَّ التَّأْنِيثَ وَالتَّذْكِيرَ يَدْخُلَانِ فِي الْبِضْعَ، فَأَمَّا فِي التَّأْنِيثِ فَمِنْهُ قَوْلُهُ: ﴿سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ [الروم: ٣، ٤] وَقَوْلُهُ ﷿: ﴿فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾ [يوسف: ٤٢] وَأَمَّا فِي التَّذْكِيرِ فَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: بِضْعَةُ أَيَّامٍ، وَبِضْعَةُ دَرَاهِمَ.فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الْبِضْعَ لَهُ عَدَدٌ يَخْتَلِفُ فِيهِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ جَمِيعًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الْعَدَدِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَإِذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَقَلْنَا بِهِ أَنَّ أَقَلَّ الْبِضْعِ ثَلَاثَةٌ لَا أَقَلُّ مِنْهَا إِلَى تِسْعَةٍ لَا أَكْثَرَ مِنْهَا، وَاللهَ ﷿ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute