تَتَصَدَّقُوا مَنْ يَتَصَدَّقُ عَنْكُم، وَالسَّائِلُ إِنْ لَمْ تُعْطُوْهُ أَنْتُم أَعْطَاهُ غَيْرُكُم.
وَكَانَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي خَيْمَةٍ عَلَى حِصَارِ القُدْسِ، فَزَارَهُ المَلِكُ العَادِلُ، فَلَمْ يَجِدْهُ، فَجَلَسَ سَاعَةً، وَكَانَ الشَّيْخُ يُصَلِّي، فَذَهَبُوا خَلْفَهُ مَرَّتَيْنِ، فَلَمْ يَجِئْ، فَأَحْضَرُوا لِلْعَادِلِ أَقْرَاصاً، فَأَكَلَ وَقَامَ، وَمَا جَاءَ الشَّيْخُ.
قَالَ الصَّرِيْفِيْنِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ لَيْسَ عِنْدَهُ تَكَلُّفٌ غَيْرَ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ.
قَالَ الشَّيْخُ العِمَادُ: سَمِعْتُ أَخِي الحَافِظَ (١) يَقُوْلُ:
نَحْنُ إِذَا جَاءَ أَحَدٌ اشْتَغَلنَا بِهِ عَنْ عَمَلِنَا، وَإِنّ خَالِي أَبُو (٢) عُمَرَ فِيْهِ لِلدُّنْيَا وَالآخِرَة يُخَالِطُ النَّاسَ وَلاَ يُخلي أَوْرَادَهُ.
قُلْتُ: كَانَ يَخْطُبُ بِالجَامِعِ المُظَفَّرِيِّ، وَيُبْكِي النَّاسَ، وَرُبَّمَا أَلَّفَ الخُطْبَةَ، وَكَانَ يَقْرَأُ الحَدِيْثَ سَرِيعاً بِلاَ لَحْنٍ، وَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يَرْجِع مِنْ رِحلَتِه إِلاَّ وَيَقرَأُ عَلَيْهِ شَيْئاً مِنْ سَمَاعِه، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ بِخَطِّه المَلِيْحِ كَـ (الحِلْيَةِ) ، وَ (إِبَانَةِ ابْنِ بَطَّةَ) ، وَ (مَعَالِم التَّنْزِيلِ) ، وَ (المُغْنِي) ، وَعِدَّة مَصَاحِف.
وَرُبَّمَا كَتَبَ كرَّاسَينِ كِبَاراً فِي اليَوْمِ، وَكَانَ يَشفعُ بِرقَاع يَكتُبُهَا إِلَى الوَالِي المُعْتَمِد وَغَيْرِهِ.
وَقَدِ اسْتَسقَى مَرَّة بِالمَغَارَةِ، فَحِيْنَئِذٍ نَزَلَ غَيث أَجرَى الأَوديَة، وَقَالَ: مُذْ أَمَمْتُ مَا تركتُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ.
وَقَدْ سَاق لَهُ الضِّيَاءُ كَرَامَاتٍ وَدَعَوَاتٍ مُجَابَاتٍ، وَذَكَرَ حِكَايَتَيْنِ فِي أَنَّهُ قُطِّبَ (٣) فِي آخِرِ عُمُرِهِ.
وَكَانَ إِذَا سَمِعَ بِمُنكَرٍ اجْتهدَ فِي إِزَالَتِه، وَيَكْتُبُ فِيْهِ
(١) يعني عبد الغني المقدسي.(٢) كذا في الأصل، وهي على الحكاية.(٣) يعني صار قطبا للصوفية، وانظر أيضا تاريخ الإسلام: ١٨ / ١ / ٢٩٤ - ٢٩٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute