فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ.
قَالَ أَبُو الفَتْحِ بنُ أَبِي الفَوَارِسِ: كَانَ ثَبْتاً، زَاهِداً، مَا رَأَينَا مِثْلَهُ (١) .
وَقَالَ الحَاكِمُ: كَانَ أَوْحَدَ عَصْرِهِ فِي عِلْمِ أَهْلِ الحَقَائِقِ، وَلَهُ قَدَمٌ فِي مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ، وَردَ نَيْسَابُوْرَ، وَدَخَلَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ وَأَقَامَ بِهَا، وَجَمَعَ (المُسْنَدَ الكَبِيْرَ) عَلَى الرِّجَالِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَجَاوَرَ بِهَا.
قَالَ ابْنُ أَبِي الفَوَارِسِ: وَصَنَّفَ أَبُو مُسْلِمٍ أَشيَاءَ كَثِيْرَةً (٢) .
وَقَالَ الخَطِيْبُ: جَمَعَ أَحَادِيثَ المشَايخِ وَالأَبْوَاب، وَكَانَ مُتْقِناً، حَافِظاً، مَعَ وَرَعٍ وَزُهْدٍ وَتَدَيُّنٍ.
ذَكرَهُ لِي أَبُو العَلاَءِ الوَاسِطِيُّ يَوْماً فَأَطْنَبَ فِي وَصْفِهِ، وَقَالَ: كَانَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالشُّيُوْخُ يُعَظِّمُونَهُ (٣) .
قَالَ الحَاكِمُ: دَخَلْتُ مَرْوَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ فَلَمْ أَظفَرْ بِهِ.
وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ فِي الحَجِّ طَلَبْتُهُ فِي القَوَافِلِ، فَأَخفَى نَفْسَهُ، فَحَجَجْتُ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ، وَعِنْدِي أَنَّهُ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: هُوَ بِبَغْدَادَ، فَاسْتوحَشْتُ مِنْ ذَلِكَ وَتَطَلَّبْتُهُ، ثُمَّ قَالَ لِي أَبُو نَصْرٍ المَلاَحِمِيُّ بِبَغْدَادَ: هُنَا شَيْخٌ مِنَ الأَبْدَالِ تَشْتَهِي أَنْ تَرَاهُ؟ قُلْتُ: بَلَى، فَذَهَبَ بِي، فَأَدْخَلَنِي خَانَ الصَّبَّاغِيْنَ، فَقَالُوا: خَرَجَ، فَقَالَ أَبُو نَصْرٍ: تجلسُ فِي هَذَا المَسْجَدِ، فَإِنَّهُ يَجِيءُ، فَقَعَدْنَا، وَأَبُو نَصْرٍ لَمْ يَذكرْ لِي مَنْ هُوَ الشَّيْخُ، فَأَقْبَلَ أَبُو نَصْرٍ وَمَعَهُ شَيْخٌ نحيفٌ ضَعِيْفٌ برِدَاءٍ، فَسَلَّمَ عليَّ، فَأُلْهِمْتُ أَنَّهُ أَبُو مُسْلِمٍ الحَافِظُ، فَبَيْنَا نَحْنُ نُحَدِّثُهُ إِذْ قُلْتُ لَهُ: وَجَدَ الشَّيْخُ هَا هُنَا مِنْ أَقَارِبِهِ أَحَداً؟
قَالَ: الَّذِيْنَ أَرَدْتُ لِقَاءهُم انْقَرَضُوا، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ خَلَّفَ
(١) " تاريخ بغداد ": ١٠ / ٢٩٩ - ٣٠٠.(٢) المصدر السابق.(٣) " تاريخ بغداد ": ١٠ / ٢٩٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute