ولو غيرنا الصيغة مرة ثالثة فقلنا:"ارجع ... أسرع ... افرح ... " – لدل الفعل في صورته الجديدة على الأمرين معًا؛ وهما:"المعنى المجرد، والزمن" لكن الزمن هنا مستقبل فقط، وينشأ ما يسمى:"فعل الأمر".
فالفعل المتصرف –بأنواعه الثلاثة السالفة– يدل على:"المعنى المجرد""الحديث"، والزمان١ معًا.
ولو أتينا بمصدر صريح ٢ لتلك الأفعال – أو نظائرها – لوجدناه وحده يدل في جملته على أمر واحد معين، هو المعنى المجرد "أي: الحدث" فقط؛ كالمصدر وحده في مثل: الرجوع حسن – الإسراع نافع – الفرح كثير؛ فهو يدل على أحد الشيئين اللذين يدل عليهما معًا الفعل، ولا يدل على الثاني ... وهذا معنى قولهم:
"المصدر الصريح٣ يدل – في الغالب٤ – على الحدث، ولا يدل على الزمان٥.
والمصدر الصريح أصل المشتقات – في الرأي الشائع٦ – ويصلح لأنواع الإعراب المختلفة؛ فيكون مبتدأ، وخبرًا، وفاعلًا، ومفعولًا به ... و ...
و
١ وهذا هو الغالب؛ لأن هناك أفعالًا لا تدل – في الرأي الأرجح – على الزمان؛ كنعم وبئس في المدح والذم، وكالأفعال التي في التعريفات العلمية، وغيرها – مما أوضحناه وفصلناه – فيما يتعلق بمعنى الفعل، وأقسامه، والزمان، وغيره، بالجزء الأول م ٤ ص ٢٩. ٢ أي: غير مؤول، وإذا أطلق المصدر كان المراد: الصريح. ٣ لأن المؤول يدل على زمن معين، "على الوجه الذي بسطناه في مكانه من الجزء الأول، م ٢٩ ص ٣٠٢". ٤ لأن المصدر الصريح قد يدل مع الحدث على: "المرة، أو الهيئة"، وإيضاح هذا وتفصيله في موضعه الخاص من بابهما "ج ٣ م ١٠٠". ٥ وإلى هذا أشار ابن مالك بقوله: المصدر اسم ما سوى الزمان من ... مدلولي الفعل، كأمن، من أمن-١ يقول في تعريف المصدر: إنه اسم يطلق على شيء غير الزمان من المدلولين اللذين يدل عليهما الفعل، ولما كان المدلولان هما: "الحدث، والزمان"، وقد صرح بأنه يدل على غير الزمان – اتجهت الدلالة بعد ذلك إلى المعنى المجرد وحده، ومثل للمصدر بكلمة: "أمن" وقال عنه: نه من الفعل الماضي: "أمن"، يريد بذلك: أن معنى هذا المصدر هو بعض مما يحويه الفعل "أمن" إذ الأمن يدل على المعنى المجرد الذي هو أحد شيئين يدل عليهما الفعل: أمن. ٦ راجع هذا الرأي في ج ٣ باب: "أبنية المصادر"، م ٩٨ وفي م ٩٩ باب: "إعمال المصدر، واسمه".