عرفنا١ أن "فاء السببية" تخالف "واو المعية" في أمور؛ منها: أن فاء السببية قد تسقط من الكلام جوازا؛ فلا يصح نصب المضارع بعدها، وإنما يصح جزمه إن استقام المعنى المراد على الجزم. ومعنى سقوطها: غيابها واختفاؤها عن موضعها، وخلو مكانها منها؛ سواء أوجدت أولا الحضارة باللباب الحميد فتسعد، وتجنب الزائف البراق فتسلم" يصلح أن يقال: "خذ من الحضارة باللباب الحميد تسعد، وتجنب الزائف البراق تسلم". بجزم المضارعين: "تسعد، وتسلم"، بعد سقوط فاء السببية، وقد كانا منصوبين عند وجودها. ويشترط لجزم المضارع بعد سقوطها -على الوجه السالف- ثلاثة شروط مجتمعة:
أولها: أن تكون مسبوقة بنوع من أنواع الطلب المحض أو ملحقاته -لا بنوع من النفي وملحقاته- وقد عرفنا أنواع الطلب الثمانية٢ "وهي: الأمر، النهي، الدعاء، التمني٣ الترجي، العرض، التحضيض الاستفهام".
ثانيها: أن تكون الجملة المضارعية بعدها جوابا٤ وجزاء للطلب الذي قبلها "أي: مسببة عنه: كتسبب جزاء الشرط على فعل الشرط".
ثالثها: أن يستقيم المعنى بحذف "لا" الناهية ووقع "إن" الشرطية وبعدها
١ في ص٣٨٢ "الأمر الخامس". ٢ سبق تفصيل الكلام عليها في ص٣٦٥. ٣ ينحصر التمني هنا في النوع الأصيل، وهو الذي أداته: "ليت"، دون الأنواع الأخرى المحمولة عليه بأدواتها العارضة في معناه، ومنها "لو" و"ألا" وقد سبق إيضاحهما في رقم ٧ من ص٣٦٩ لأن الجزم غير مسموع بعد التمني العارض، وأدواته الطارئة في معناه "انظر ما يتصل بهذا في ص٣٦٩ وفي رقم ٣ من هامشها". ٤ سبق شرح الجواب والجزاء في ص٣٠٨.