اللازم أن يشمله النفي الذي يقع على "القيد" لا محالة١، فإذا قلت: ما جاء محمد راكبا. "فالركوب""قيد" في المجيء. وهذا القيد "الركوب" منفي قطعا. أما حكم المقيد وحده٢، وهو "المجيء" المطلق فقد يكون منفيا "أي: لم يقع"، وقد يكون غير منفي. فعدم الركوب مقطوع به؛ سواء أوقع المجيء أم لم يقع. والحكم بوقوع المجيء أو عدم وقوعه محتاج إلى قرينة أخرى تعينه ...
وعلى هذا الأساس يصح أن يتجه الفهم في المثال الأسبق، "وهو: ما تحضر فتحدثنا". إلى أن التحديث "قيد" للحضور. والقيد منفي -لا محالة- في حالتي الحضور وعدمه٣. أما الحضور نفسه بغير تحديث فقد يكون منفيا أو غير منفي. فهو مسكوت عنه، يحتاج إلى ما يعين أحد الأمرين؛ شأنه شأن التقييد بالحال؛ فكأنك تقول: ما تحضر متحدثا. فالتحديث هو القيد المنفي دائما. والحضور هو المقيد المسكوت عنه، إذا نظرنا إليه وحده بغير قيده، أو: كأنك تقول: ما يكون منك حضور يعقبه ويترتب عليه تحديث. فالتحديث هو المقطوع بنفيه. أما الحضور المطلق وعدمه فأمرهما للقرينة؛ تعين أحدهما دون الآخر. وعلى هذا فالفاء للسببية والمصدر المؤول بعدها معطوف على مصدر قبلها والنفي منصب على القيد وحده، كما شرحنا. ومن هذا قول الشاعر:
ومن لا يقدم رجله مطمئنة ... فيثبتها في مستوى الأرض يزلق
فكأنه قال: من لا يقدم رجله مثبتا يزلق.
ب- ويقول النحاة: إن المعنى قبل "فاء السببية" قد يكون مثبتا؛ بأن يتخطاه النفي إلى أن بعدها. بالرغم من وجود النفي قبلها -كما يفهم من بعض الحالات السابقة-٤ فإن تسلط النفي على ما قبلها فالفاء تفيد معنى التسبب الذي
١ قد يعبرون عما سبق بقول أدق؛ هو: أن المقيد لا ينصب عليه النفي إلا في حالة واحدة هي التي يتقيد فيها، ويتحقق فيها وجود القيد دون غيرها من بقية الحالات التي لا تدخل في دائرة القيد؛ فقد يشملها النفي أو لا يشملها؛ على حسب القرائن. ويزيد الأمر وضوحا إذا رجعنا إلى "ب" ص٣٢١. ٢ وهو غير المقيد بالركوب. ٣ وهو في حالة العدم أحق وأولى؛ إذ لا يمكن أن يحدثنا مع عدم مجيئه، وانتفاء حضوره. ٤ الحالة الثانية من حالات النصب.