الأول:"أن" المصدرية١ المحضة الناصبة للمضارع. وعلامتها اجتماع أمرين معا:"أن تقع في كلام يدل على الشك٢، أو على الرجاء والطمع"٣، "وأن يقع بعدها فعل" فهي لا تقع في كلام يدل على اليقين والتحقق، ولا في كلام يدل على الرجحان٢ ... ، ولا تدخل على غير فعل. فمثال وقوعها بعد الشك:"أي الأمرين أجدر بالعاقل؛ أن يداري السفيه أو أن يقاطعه؟ فلقد عجز الرأي الحكيم عن ترجيح أحدهما". ومثال الرجال والطمع قوله تعالى:{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} ، وقول الشاعر:
المرء يأمل أن يعيـ ... ـش، وطول عيش قد يضره
فأما التي تقع في كلام يدل على اليقين فهي "الخففة من الثقيلة"٤ نحو: أعتقد أن سينتصر الحق، ولو تأخر انتصاره ... ، أي: أنه سينتصر ...
وأما التي تقع في كلام يدل على الرجحان "أي: الظن الغالب" فتصلح للنوعين؛ نحو:"من غره شبابه، أو ماله، أو جاهه، وظن أن يسالمه الدهر فقد عرض نفسه للمهالك".
١ "أن" حرف متعدد الأنواع، وستجيء إشارة لأنواعه ملخصة موجزة -في ص٢٩٠- ومنها: "أن المصدرية". ويصح أن يقال: "أن" المصدري، أي: الحرف المصدري. كما يقال "أن" المصدرية، أي: الكلمة المصدرية؛ فالتذكير على اعتبار الحرف، والتأنيث على اعتبار الكلمة. وهذا يصدق على جميع الحروف الناصبة، وغيرها. "انظر هامش ص٢٨٩ ورقم ١ من هامش ص٣٧١". ٢ و٢ اليقين: هو قطع المتكلم بثبوت أمر، وتحققه، سواء أكان هذا اليقين صحيحا في الواقع أم غير صحيح، وسواء أكان الثبوت والتحقق سلبا أم إيجابا. والشك هو: استواء التصديق والتكذيب في نفس المتكلم، بحيث لا يستطيع أن يصل إلى القطع والجزء بثبوت الشيء أو بنفيه؛ لعدم وجود مرجح لأحدهما. والظن أو الرجحان: هو تغلب أحد الأمرين على الآخر في قوة الدليل تغلبا لا يصل إلى حد اليقين وقد سبق الكلام على هذا، في ج٢ م٦ ص٥ أول باب: "ظن وأخواتها". ٣ أي: الأمل. ٤ سبق البيان الشافي عنها في المكان الأنسب "ج١ ص٥١٥ م٥٥ باب: إن وأخواتها" لأنها من أخوات "إن" تنصب الاسم وترفع الخبر؛ فلا تنصب المضارع. ويجيء لها بيان مناسب في ص٢٩٠.