كان للعالم صانعان إلخ، وغفلوا عن مضمون الآية، فإنه سبحانه أخبر أنه لو كان فيهما آلهة غيره، ولم يقل أرباب.
وأيضا فإن هذا إنما هو بعد وجودهما، وأنه لو كان فيهما وهما موجودتان آلهة سواه لفسدتا.
وأيضا فإنه قال:"لفسدتا"، وهذا فساد بعد الوجود، ولم يقل: لم يوجدا، ودلت الآية على أنه لا يجوز أن يكون فيهما آلهة متعددة، بل لا يكون الإله إلا واحد، وعلى أنه لا يجوز أن يكون هذا الإله الواحد إلا الله ﷾، وأن فساد السموات والأرض يلزم من كون الآلهة فيهما متعددة، ومن كون الإله الواحد غير الله وأنه لا صلاح لهما إلا بأن يكون الإله فيهما هو الله وحده لا غيره، فلو كان للعالم إلهان معبودان لفسد نظامه كله، فإن قيامه إنما هو بالعدل، وبه قامت السموات والأرض.
وأظلم الظلم على الإطلاق الشرك، وأعدل العدل التوحيد.
وتوحيد الإلهية متضمن لتوحيد الربوبية دون العكس، فمن لا يقدر على أن يخلق يكون عاجزا، والعاجز لا يصلح أن يكون إلها. قال تعالى: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ [الأعراف: ١٩١]، وقال تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١٧]، وقال تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٤٢].
وفيها للمتأخرين قولان: أحدهما: لاتخذوا سبيلا إلى مغالبته، والثاني، وهو الصحيح المنقول عن السلف، كقتادة وغيره، وهو الذي ذكره ابن جرير ولم يذكر غيره: لاتخذوا سبيلا بالتقرب إليه، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ [سورة الدهر: ٢٩]، وذلك أنه قال: ﴿لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ﴾ وهم لم يقولوا: إن العالم [له] صانعان، بل جعلوا معه آلهة اتخذوهم شفعاء، وقالوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [سورة الزمر: ٣]، بخلاف الآية الأولى.