للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصفات، التي ورد بها الكتاب والسنة، ومنع التأويل الذي يصرفها عن حقائقها اللائقة (١) بالله تعالى، كما يقولون مثل ذلك في السمع والبصر والكلام وسائر الصفات، كما أشار إليه الشيخ فيما تقدم بقوله: إذا كان تأويل الرؤية وتأويل كل معنى يضاف إلى الربوبية، ترك التأويل، ولزوم التسليم، وعليه دين المسلمين (٢). وانظر إلى جواب الإمام مالك في صفة [الاستواء] كيف قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، وروي أيضا عن أم سلمة موقوفا عليها، ومرفوعا إلى النبي (٣)، وكذلك قال الشيخ فيما تقدم: من لم يتوق النفي والتشبيه، زل ولم يصب التنزيه، ويأتي في كلامه أن الإسلام بين الغلو والتقصير، وبين التشبيه والتعطيل، فقول الشيخ : لا كأحد من الورى، نفى التشبيه. ولا يقال: إن الرضى إرادة الإحسان، والغضب إرادة الانتقام، فإن هذا نفي للصفة، وقد اتفق أهل السنة على أن الله يأمر بما يحبه ويرضاه، وإن كان لا يريده ولا يشاؤه، وينهى عما يسخطه ويكرهه، ويبغضه ويغضب على فاعله، وإن كان قد شاءه وأراده، فقد يحب عندهم ويرضى ما لا يريده، ويكره ويسخط لما أراده.

ويقال لمن تأول الغضب والرضى بإرادة الإحسان: لم تأولت ذلك؟ فلا بد أن يقول: إن الغضب غليان دم القلب، والرضى الميل والشهوة، وذلك لا يليق بالله تعالى! فيقال له: غليان دم القلب في الآدمي أمر ينشأ عن صفة الغضب، لا أنه الغضب، ويقال له أيضا: وكذلك الإرادة والمشيئة فينا، فهي ميل الحي إلى الشيء أو إلى ما يلائمه ويناسبه، فإن الحي منا لا يريد إلا ما يجلب له منفعة أو يدفع عنه مضرة، وهو محتاج إلى ما يريده ومفتقر إليه، ويزداد بوجوده، وينتقص بعدمه. فالمعنى الذي صرفت إليه اللفظ كالمعنى الذي صرفته عنه سواء، فإن جاز هذا جاز ذاك، وإن امتنع هذا امتنع ذاك.


(١) في الأصل: اللائقة بما.
(٢) في الأصل: المرسلين.
(٣) قلت: لا يصح مرفوعا.

<<  <   >  >>