للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثناء والمجد، أحق ما قاله العبد، وكلنا لك عبد" (١). فهذا حمد، وهو شكر لله تعالى، وبيان أن حمده أحق ما قاله العبد، ثم يقول بعد ذلك: لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. وهذا تحقيق لوحدانيته، لتوحيد الربوبية، خلقا وقدرا، وبداية ونهاية (٢)، هو المعطي المانع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وتوحيد الإلهية، شرعا وأمرا ونهيا، وإن العباد وإن كانوا يعطون جدا ملكا وعظمة وبختا ورياسة، في الظاهر، أو في الباطن، كأصحاب المكاشفات والتصرفات الخارقة، فلا ينفع ذا الجد منك الجد، أي لا ينجيه ولا يخلصه، ولهذا قال: لا ينفعه منك (٣)، ولم يقل: ولا ينفعه عندك؛ لأنه لو قيل ذلك أوهم أنه لا يتقرب به إليك، لكن قد لا يضره، فتضمن هذا الكلام تحقيق التوحيد، أو تحقيق قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٤]، فإنه لو قدر أن شيئا من الأسباب يكون مستقلا بالمطلوب، وإنما يكون بمشيئة الله وتيسيره لكان الواجب أن لا يرجى إلا الله، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يسأل إلا هو، ولا يستغاث إلا به، ولا يستعان إلا هو، فله الحمد وإليه المشتكى، وهو المستعان، وبه المستغاث، ولا حول ولا قوة إلا به، فكيف وليس شيء من الأسباب مستقلا بمطلوب، بل لا بد من انضمام أسباب أخر إليه، ولا بد أيضا من صرف الموانع والمعارضات عنه، حتى يحصل المقصود، فكل سبب فله شريك، وله ضد، فإن لم يعاونه شريكه، ولم ينصرف عنه ضده لم يحصل مسببه، والمطر وحده لا ينبت النبات إلا بما ينضم إليه من الهواء والتراب وغير ذلك، ثم الزرع لا يتم حتى تصرف عنه الآفات المفسدة له، والطعام والشراب لا يغذي إلا بما جعل في البدن من الأعضاء والقوى، ومجموع ذلك لا يفيد إن لم تصرف عنه المفسدات.

والمخلوق الذي يعطيك أو ينصرك، فهو -مع أن الله يجعل فيه الإرادة والقوة


(١) صحيح متفق عليه، وهو حديث آخر، والمصنف دمجه بالأول، فأوهم أنهما حديث واحد! انظر المصدر الآنف الذكر.
(٢) في الأصل: وهداية.
(٣) قال عفيفي: انظر ص ٣١٩ ج ٤ من "مجموع الفتاوى" لابن تيمية.

<<  <   >  >>