وأن تؤدوا خمس ما غنمتم" (١). ومعلوم أنه لم يرد [أن] هذه الأعمال تكون إيمانا بالله بدون إيمان القلب، لما قد أخبر في غير موضع أنه لا بد من إيمان القلب. فعلم أن هذه مع إيمان القلب هو الإيمان، وقد تقدم الكلام على هذا.
والكتاب والسنة مملوءان بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حكم الإيمان إلا بالعمل مع التصديق، وهذا أكثر من معنى الصلاة والزكاة، فإن تلك إنما فسرتها السنة، والإيمان بين معناه الكتاب والسنة، فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢] الآية. وقوله تعالى: ﴿إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ [الحجرات: ١٥] الآية. وقوله تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥]، فنفي الإيمان حتى توجد هذه الغاية دل على أن هذه الغاية فرض على الناس، فمن تركها كان من أهل الوعيد [و] لم يكن قد أتى بالإيمان الواجب، الذي وعد أهله بدخول الجنة بلا عذاب. ولا يقال إن بين تفسير النبي ﷺ الإيمان في حديث جبرائيل وتفسيره إياه في حديث وفد عبد القيس معارضة؛ لأنه فسر الإيمان في حديث جبرائيل بعد تفسير الإسلام، فكان المعنى أنه الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر مع الأعمال التي ذكرها في تفسير الإسلام، كما أن الإحسان متضمن للإيمان الذي قدم تفسيره قبل ذكره. بخلاف حديث وفد عبد القيس، لأنه فسره ابتداء، لم يتقدم قبله تفسير الإسلام، ولكن هذا الجواب لا يتأتى على ما ذكره الشيخ ﵀ من تفسير الإيمان، فحديث وفد عبد القيس مشكل عليه.
ومما يسأل عنه: أنه إذا كان ما أوجبه الله من الأعمال الظاهرة أكثر من الخصال الخمس التي أجاب "بها" النبي ﷺ في حديث جبرائيل المذكور، فلم قال: إن الإسلام هذه الخصال الخمس؟ وقد أجاب بعض الناس بأن هذه أظهر شعائر الإسلام وأعظمها، وبقيامه بها يتم استسلامه، وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده، والتحقيق: أن النبي ﷺ ذكر الدين الذي هو استسلام العبد لربه مطلقا