للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأحبك" (١)، وكذلك قوله للأنصار (٢). وكان زيد بن حارثة حب رسول الله ، وابنه أسامة حبه. وأمثال ذلك. وقال له عمرو بن العاص: أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة قال: فمن الرجال؟ قال: "أبوها" (٣). فعلم أن الخلة أخص من مطلق المحبة، والمحبوب بها لكمالها يكون محبا لذاته، لا لشيء آخر، إذ المحبوب لغيره هو مؤخر في الحب عن ذلك الغير، ومن كمالها لا تقبل الشركة [ولا] المزاحمة، لتخللها المحبة، ففيها كمال التوحيد وكمال الحب، ولذلك لما اتخذ الله إبراهيم خليلا، وكان إبراهيم قد سأل ربه أن يهب له ولدا صالحا، فوهب له إسماعيل، فأخذ هذا الولد شعبة من قلبه، فغار الخليل على قلب خليله أن يكون فيه مكان لغيره، فامتحنه به بذبحه، ليظهر سر الخلة في تقديمه محبة خليله على محبة ولده، فلما استسلم لأمر ربه، وعزم على فعله، فظهر سلطان الخلة في الإقدام على ذبح الولد إيثارا لمحبة خليله على محبته، نسخ الله ذلك عنه، وفداه بالذبح العظيم؛ لأن المصلحة في الذبح كانت ناشئة من العزم وتوطين النفس على ما أمر، فلما حصلت هذه المصلحة عاد الذبح نفسه مفسدة، فنسخ في حقه، وصارت الذبائح والقرابين من الهدايا والضحايا سنة في أتباعه إلى يوم القيامة. وكما أن منزلة الخلة الثابتة لإبراهيم صلوات الله عليه قد شاركه فيها نبينا كما تقدم، كذلك منزلة التكليم الثابتة لموسى صلوات الله عليه قد شاركه فيها نبينا ، كما ثبت ذلك في حديث الإسراء.

وهنا سؤال مشهور، وهو: أن النبي أفضل من إبراهيم ، فكيف طلب له من الصلاة مثل ما لإبراهيم، مع أن المشبه به أصله أن يكون فوق المشبه؟ وكيف


(١) صحيح، رواه أحمد وغيره، وصححه ابن خزيمة وابن حبان. وهو مخرج في "صحيح أبي داود" برقم ١٣٦٢".
(٢) يشير إلى حديث أنس قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله ومعها صبي لها، فكلمها رسول الله ، فقال: "والذي نفسي بيده إنكم أحب الناس إليّ -مرتين "، أخرجه البخاري.
(٣) متفق عليه من حديث عمرو بن العاص.

<<  <   >  >>