بين ظهري فلاة من الأرض" (١). وقيل: كرسيه علمه، وينسب إلى ابن عباس والمحفوظ عنه ما رواه ابن أبي شيبة، كما تقدم. ومن قال غير ذلك فليس له دليل إلا مجرد الظن، والظاهر أنه من جراب الكلام المذموم، كما قيل في العرش، وإنما هو كما قال غير واحد من السلف: بين يدي العرش كالمرقاة إليه.
قوله: "وهو مستغن عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوقه، وقد أعجز عن الإحاطة خلقه".
ش: أما قوله: وهو مستغن عن العرش وما دونه، فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت: ٦]. وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر: ١٥]. وإنما قال الشيخ ﵀ هذا الكلام هنا؛ لأنه لما ذكر العرش والكرسي، ذكر بعد ذلك غناه سبحانه عن العرش وما دون العرش، ليبين أن خلقه العرش لاستوائه عليه، ليس لحاجته إليه، بل له في ذلك حكمة اقتضته، وكون العالي فوق السافل، لا يلزم أن يكون السافل حاويا للعالي، محيطا به، حاملا له، [ولا] أن يكون الأعلى (٢) مفتقرا إليه، فانظر إلى السماء، كيف هي فوق الأرض وليست مفتقرة إليها؟ فالرب تعالى أعظم شأنا وأجل من أن يلزم من علوه ذلك، بل لوازم علوه من خصائصه، وهي حمله بقدرته للسافل، وفقر السافل، وغناه هو سبحانه عن السافل، وإحاطته ﷿ به، فهو فوق العرش مع حمله بقدرته للعرش وحملته، وغناه عن العرش، وفقر العرش إليه، وإحاطته بالعرش، وعدم إحاطة العرش به، وحصره للعرش، وعدم حصر العرش له. وهذه اللوازم منتفية عن المخلوق.
ونفاة العلو، [أهل التعطيل]، لو فصلوا بهذا التفصيل، لهدوا إلى سواء السبيل، وعلموا مطابقة العقل للتنزيل، ولسلكوا خلف الدليل، ولكن فارقوا الدليل، فضلوا عن سواء السبيل، والأمر في ذلك كما قال الإمام مالك ﵀، لما سئل عن قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف: ٥٣] وغيرها: كيف
(١) صحيح كما بينته في المصدر السابق، وهو مخرج في "الصحيحة" "١٠٩". (٢) في الأصل: للإعلاء.