سبحانه بعض المفاسد التي تترتب على خروجهم مع رسوله، فقال: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾ [التوبة: ٤٧]، أي فسادا وشرا، ﴿وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ﴾ [التوبة: ٤٧]، أي سعوا بينكم بالفساد والشر، ﴿يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٤٧]، أي قابلون منهم (١) مستجيبون لهم، فيتولد من سعي هؤلاء وقبول هؤلاء من الشر ما هو أعظم من مصلحة خروجهم، فاقتضت الحكمة والرحمة أن أقعدهم عنه، فاجعل هذا المثال أصلا، وقس عليه.
وأما الوجه الثاني، وهو الذي من جهة العبد: فهو أيضا ممكن، بل واقع، فإن العبد يسخط الفسوق والمعاصي ويكرهها، من حيث هي فعل العبد، واقعة بكسبه وإرادته واختياره، ويرضى بعلم الله وكتابه ومشيئته وإرادته وأمره الكوني، فيرضى بما من الله ويسخط ما هو منه. فهذا مسلك طائفة من أهل العرفان. وطائفة أخرى كرهتها مطلقا، وقولهم يرجع إلى هذا القول، لأن إطلاقهم الكراهة لا يريدون به شموله لعلم الرب وكتابه (٢) ومشيئته. وسر المسألة: أن الذي إلى الرب منها غير مكروه، والذي إلى العبد مكروه.
فإن قيل: ليس إلى العبد شيء منها. قيل: هذا هو الجبر الباطل الذي لا يمكن صاحبه التخلص من هذا المقام الضيق، والقدري المنكر أقرب إلى التخلص منه من الجبري، وأهل السنة، المتوسطون بين القدرية والجبرية أسعد بالتخلص من الفريقين.
فإن قيل: كيف يتأتى الندم والتوبة مع شهود الحكمة في التقدير، ومع شهود القيومية والمشيئة النافذة؟ قيل: هذا هو الذي أوقع من عميت بصيرته في شهود الأمر على غير ما هو عليه، فرأى تلك الأفعال طاعات، لموافقته فيها المشيئة والقدر، وقال: إن عصيت أمره فقد أطعت إرادته! [و] في ذلك قيل:
أصبحت منفعلا لما يختاره … مني ففعلي كله طاعات
وهؤلاء أعمى الخلق بصائر، وأجهلهم بالله وأحكامه الدينية والكونية، فإن الطاعة
(١) في الأصل: قائلون معهم، وهو غير سديد. (٢) في الأصل: وكتابته.