ظهر آدم والإشهاد عليهم هناك في بعض الأحاديث، وفي بعضها الأخذ والقضاء بأن بعضهم إلى الجنة وبعضهم إلى النار، كما في حديث عمر ﵁، وفي بعضها الأخذ وإراء آدم إياهم من غير قضاء ولا إشهاد، كما في حديث أبي هريرة. والذي فيه الإشهاد -على الصفة التي قالها أهل القول الأول- موقوف على ابن عباس وعمر، وتكلم فيه أهل الحديث، ولم يخرجه أحد من أهل الصحيح غير الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" والحاكم معروف التساهل ﵀.
والذي فيه القضاء بأن بعضهم إلى الجنة وبعضهم إلى النار دليل على مسألة القدر. وذلك شواهده كثيرة، ولا نزاع فيه بين أهل السنة، وإنما يخالف فيه القدرية المبطلون المبتدعون.
وأما الأول: فالنزاع فيه بين أهل السنة من السلف والخلف، ولولا ما التزمته من الاختصار لبسطت الأحاديث الواردة في ذلك، وما قيل من الكلام عليها، وما ذكر فيها من المعاني المعقولة ودلالة ألفاظ الآية الكريمة.
قال القرطبي: وهذه الآية مشكلة، وقد تكلم العلماء في تأويلها، فنذكر ما ذكروه من ذلك، حسب ما وقفنا عليه. فقال قوم: معنى الآية: أن الله أخرج من ظهر بني آدم بعضهم من بعض، ومعنى ﴿أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢]. دلهم على توحيده، لأن كل بالغ يعلم ضرورة أن له ربا واحدا [﷾] قال: فقام ذلك مقام الإشهاد عليهم، كما قال تعالى في السماوات والأرض: ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾، ذهب إلى هذا القفال وأطنب. وقيل: إنه [﷾] أخرج الأرواح قبل خلق الأجساد، وإنه جعل فيها من المعرفة ما علمت به ما خاطبها. ثم ذكر القرطبي بعد ذلك الأحاديث الواردة في ذلك، إلى آخر كلامه.
وأقوى ما يشهد لصحة القول الأول: حديث أنس المخرج في الصحيحين! الذي فيه: قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي (١). ولكن قد روي
(١) صحيح، وهو الذي قبله، والطريق الأخرى عند مسلم "٨/ ١٣٤، ١٣٥" وكذا البخاري "٤/ ٢٣٩" ولا منافاة بينها وبين التي قبلها، لأن زيادة الثقة مقبولة، كما لا يخفى، وفي هذا الحديث زيادات أخرى وقد جمعتها في الحديث وخرجته في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" "رقم "١٧٢" ثم تبينت أن الطريق الأخرى ليست هي التي عند الشيخين، وإنما هي عند أحمد والحاكم بإسناد صحيح على شرط مسلم باللفظ الذي ذكره المؤلف حرفا بحرف، وهي في الصحيحة "٣٠٠٨".