فإن قيل: فأي فرق بين قول الداعي: "بحق السائلين عليك" وبين قوله: "بحق نبيك" أو نحو ذلك؟ فالجواب: أن معنى قوله: "بحق السائلين عليك" أنك وعدت السائلين بالإجابة، وأنا من جملة السائلين، فأجب دعائي، بخلاف قوله: بحق فلان، فإن فلانا وإن كان له حق على الله بوعده الصادق، فلا مناسبة بين ذلك وبين إجابة دعاء هذا السائل، فكأنه يقول: لكون فلان من عبادك الصالحين أجب دعاي! وأي مناسبة في هذا وأي ملازمة؟ وإنما هذا من الاعتداء في الدعاء! وقد قال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: ٥٥]. وهذا ونحوه من الأدعية المبتدعة، ولم ينقل عن النبي ﷺ، ولا عن الصحابة، ولا عن التابعين، ولا عن أحد من الأئمة ﵃، وإنما يوجد مثل هذا في الحروز والهياكل التي يكتب بها الجهال والطرقية. والدعاء من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على السنة والاتباع، لا على الهوى والابتداع.
وإن كان مراده الإقسام على الله بحق فلان، فذلك محذور أيضا؛ لأن الإقسام بالمخلوق لا يجوز، فكيف على الخالق؟! وقد قال ﷺ:"من حلف بغير الله فقد أشرك"(١). ولهذا قال أبو حنيفة وصاحباه ﵃: يكره أن يقول الداعي: أسألك بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت الحرام، والمشعر الحرام، ونحو ذلك حتى كره أبو حنيفة ومحمد ﵄ أن يقول الرجل: اللهم إني أسألك بمعقد العز من عرشك، ولم يكرهه أبو يوسف ﵀ لما بلغه الأثر فيه (٢). وتارة يقول: بجاه فلان عندك، يقول: نتوسل إليك بأنبيائك ورسلك وأوليائك. ومراده أن فلانا عندك ذو وجاهة وشرف ومنزلة فأجب دعاءنا. وهذا أيضا محذور، فإنه لو كان هذا هو التوسل الذي كان الصحابة يفعلونه في حياة النبي ﷺ لفعلوه بعد موته، وإنما كانوا يتوسلون في حياته بدعائه، يطلبون منه أن يدعو لهم، وهم يؤمنون على دعائه، كما في الاستسقاء وغيره، فلما مات ﷺ
(١) صحيح، رواه أحمد والحاكم وصححه. "الإرواء" "٢٥٦١". (٢) قلت، هو حديث مرفوع موضوع، كما بينه الزيلعي في "نصب الراية" "٤/ ٢٧٣".