للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واضح، فإن العقل هو الذي دل على صدق السمع وصحته، وأن خبره مطابق لمخبره، فإن جاز أن تكون الدلالة باطلة لبطلان النقل لزم أن لا يكون العقل دليلا صحيحا، وإذا لم يكن دليلا صحيحا لم يجز أن يتبع بحال، فضلا عن أن يقدم، فصار تقديم العقل على النقل قدحا في العقل.

فالواجب كمال التسليم للرسول ، والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن نعارضه بخيال باطل نسميه معقولا، أو نحمله شبهة أو شكا، أو نقدم عليه آراء الرجال وزبالة أذهانهم، فنوحده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما نوحد المرسل بالعبادة والخصوع والذل والإنابة والتوكل.

فهما توحيدان، لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المرسل، وتوحيد متابعة الرسول، فلا نحاكم إلى غيره، ولا نرضى بحكم غيره، ولا نوقف تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يعظمه، فإن أذنوا له نفذه وقبل خبره، وإلا فإن طلب السلامة فوضه إليهم وأعرض عن أمره وخبره، وإلا حرفه عن مواضعه، وسمى تحريفه تأويلا وحملا، فقال: نؤوله ونحمله. فلأن يلقى العبد ربه بكل ذنب -ما خلا الإشراك بالله- خير له من أن يلقاه بهذه الحال. بل إذا بلغه الحديث الصحيح يعد نفسه كأنه سمعه من رسول الله ، فهل يسوغ أن يؤخر قبوله والعمل به حتى يعرضه على رأي فلان وكلامه ومذهبه؟! بل كان الفرض المبادرة إلى امتثاله، من غير التفات إلى سواه، ولا يستشكل قوله لمخالفته رأي فلان، بل يستشكل الآراء لقوله، ولا يعارض نصه بقياس، بل نهدر الأقيسة، ونتلقى نصوصه، ولا نحرف كلامه عن حقيقته، لخيال يسميه أصحابه معقولا، نعم هو مجهول، وعن الصواب معزول! ولا يوفق قبول قوله على موافقة فلان دون فلان، كائنا من كان.

قال الإمام أحمد: حدثنا أنس بن عياض، حدثنا أبو حازم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: لقد جلست أنا وأخي مجلسا ما أحب أن لي به حمر النعم، أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخة من أصحاب رسول الله جلوس عند باب من أبوابه، فكرهنا أن نفرق بينهم، فجلسنا حجرة، إذ ذكروا آية من القران، فتماروا فيها، حتى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسول الله مغضبا، قد احمر

<<  <   >  >>