قلت:«مُرِيب» : اسم فاعل، من: أراب، أي: أتى بريبة، وأربته: أوقعته في الريبة. ونسبة الإرابة إلى الشك مجاز. والمراد: وصفه بالشدة والإظلام، بحيث إنه يوقع في شك آخر.
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَوْ تَرى يا محمد، أو: يا مَن تصح منه الرؤية، الكفرةَ. إِذْ فَزِعُوا حين فزعوا عند صيحة البعث، لرأيت أمراً فظيعاً هائلاً، فَلا فَوْتَ أي: لا مهرب لهم، أو: فلا يفوتون الله ولا يسبقونه. وَأُخِذُوا إلى النار مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ من المحشر إلى قعر جهنم. أو: ولو ترى إذ فزعوا عند الموت فلا فوت منه، وأُخذوا من ظهر الأرض إلى بطنها، أو: إذ فزعوا يوم بدر، وأُخذوا من صحراء بدر إلى القليب.
وَقالُوا حين عاينوا العذاب: آمَنَّا بِهِ أي: بمحمد صلى الله عليه وسلم لمرور ذكره في قوله: مَا بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ «١» أو: بالله، أو: بالقرآن المذكور في قوله: فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ أي: التناول. من قرأه بالواو «٢» فوجهه: أنه مصدر: ناش، ينوش، نوشاً، أي: تناول، وهي لغة حجازية، ومنه: تناوش القوم في الحرب: إذا تدانوا، وتناول بعضهم بعضاً، أي: ومن أين لهم تناول التوبة وقد بَعدت عنهم، يعني أن التوبة كانت منهم قريبة، تُقبل منهم في الدنيا، وقد ذهبت الدنيا وبَعُدت عن الآخرة. وقيل: هو تمثيل لطلبهم ما لا يكون، وهو أن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت، كما نفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا، فمُثِّلت حالهم بحال مَن يريد أن يتناول
(١) الآية ٤٦ من السورة. [.....] (٢) قرأ أبو عمرو، وأبو بكر، وحمزة، والكسائي (التناوش) بالهمزة، وقرأ الباقون (التناوش) بالواو من غير همز.