وقول هؤلاء التابعين: إنه أعياد الكفار، ليس مخالفًا لقول بعضهم: إنه الشرك، أو: صنم كان في الجاهلية. ولقول بعضهم: إنه مجالس الخَنا. وقول بعضهم: إنه الغِناء (١) = لأن عادة السلف في تفسيرهم هكذا: يذكر الرجلُ نوعًا من أنواع المُسَمَّى لحاجةِ المستمع إليه أو لينبِّه على الجنس، كما لو قال العجميُّ: ما الخبز؟ فيُعْطَى رغيفًا، ويُقال له: هذا، فالإشارة إلى الجِنْس لا إلى العين (٢) .
وقال قومٌ: إنه شهادة الزور التي هي الكذب. وهذا فيه نظر، فإنه قال:"لا يشهدون الزور"، ولم يقل: لا يشهدون بالزور. فإن العربَ تقول:"شهدت كذا" إذا حضرته، كقول ابن عباسٍ:"شهدتُ العيدَ مع النبي -صلى الله عليه وسلم-"، وقول عمر:"الغنيمة لمن شهد الوقعة". وأما:"شهد [تُ] بكذا"، [فمعناه]: أخبرتُ به (٣) .
فتسمية هذه الأشياء زورًا [دليل على تحريم فعلها](٤) ، وقد ذمَّ الله من يقول الزور، وقال: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) } [الحج: ٣٠]. فَفِعْل الزور كذلك (٥) ، فيكون حرامًا لأنه خلاف الأمر، وبكلِّ حالٍ يدخل في
(١) تفاسير السلف انظرها في "تفسير ابن جرير": (٩/ ٤٢٠)، و"الدر المنثور": (٥/ ١٤٨). (٢) قارن بـ "مجموع الفتاوي": (١٣/ ٣٣٧) مقدمة في أصول التفسير. (٣) في الأصل: "وأما شهد بكذا بمعنى أخبرت به." ثم علَّق في الحاشية: "كذا، ولعله: فغير معروف". والعبارة بعد الاصلاح خالية من الإشكال، وانظر "الاقتضاء": (١/ ٤٨٢). (٤) ما بين المعكوفين لا بد منه ليتم المعنى. (٥) علق في هامش النسخة بقوله: "بل الفعل أشد".