وَأَمَّا"الصَّخْرَةُ" فَلَمْ يُصَلِّ عِنْدَهَا عُمَرُ -رضي الله عنه- وَلَا الصَّحَابَةُ، وَلَا كَانَ عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عَلَيْهَا قُبَّةٌ؛ بَل كَانَت مَكْشُوفَةً فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَمُعَاوِيةَ وَيزِيدَ وَمَرْوَانَ، وَلَكِنْ لَمَّا تَوَلَّى ابْنُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ الشَّامَ وَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ الْفِتْنَةُ كَانَ النَّاسُ يَحُجُّونَ فَيَجْتَمِعُونَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ، فَارَادَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنْ يَصْرِفَ النَّاسَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَبَنَى الْقُبَّةَ عَلَى الصَّخْرَةِ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ مَنَّ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان فَلَمْ يَكُونُوا يُعَظِّمُونَ الصَّخْرَةَ، فَإِنَّهَا قِبْلَة مَنْسُوخَةٌ، كَمَا أَنَّ يَوْمَ السَّبْتِ كَانَ عِيدًا فِي شَرِيعَةِ مُوسَى عليه السلام ثُمَّ نُسِخَ فِي شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- بيَوْمِ الْجُمْعَةِ، فَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَخُصُّوا يَوْمَ السَّبْتِ وَيوْمَ الأحَدِ بِعِبَادَة كَمَا تَفْعَلُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَكَذَلِكَ الصَّخْرَةُ إنَّمَا يُعَظِّمُهَا الْيَهُودُ وَبَعْضُ النَّصَارَى.
وَلَيْسَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَكان يُقْصَدُ لِلْعِبَادَةِ سِوَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، لَكِنْ إذَا زَارَ قُبُورَ الْمَوْتَى وَسَلَّمَ عَلَيْهِم وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِم كَمَا كَانَ النَّبِي-صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ فَحَسَنٌ.
وَلَيْسَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ مَكَان يُسَمَّى "حَرَمًا" وَلَا بِتُرْبَةِ الْخَلِيلِ. [٢٧/ ١١ - ١٤]
٣٢٩٠ - الْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ -مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ- أَسَّسَهُ عَلَى التَّقْوَى خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ، وَمَسْجِدُ إيليا قَد كَانَ مَسْجِدًا قَبْلَ سُلَيْمَانَ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ (١) عَن أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه-: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ أَيّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلًا؟ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ"، قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الأَقصَى"، قُلْت: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ حَيْثُ مَا أَدْرَكتْك الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَإِنَّهُ لَك مَسْجِدٌ".
وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: "فَإِنَّ فِيهِ الْفَضْلَ".
وَهَذِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، كَانَ يُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ (٢).
(١) رواه البخاري (٣٤٢٥)، ومسلم (٥٢٠).(٢) قال الشيخ في موضع آخر: فَمَن أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِمَكَانٍ فَتَرَكُوا الصَّلَاةَ فِيهِ وَذَهَبُوا إلَى مَكَانٍ آخَرَ لِكَوْنِهِ فِيهِ أَثَرٌ لِبَعْضِ الْأنْبِيَاءِ: فَقَد خَالَفُوا السنَّةَ. (٢٧/ ٤٢٣)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute