وَالصَّوَابُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ مُتَّفِقَةٌ لَيْسَتْ مُخْتَلِفَةً إلَّا اخْتِلَافًا يَسِيرًا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ ثَبَتَ عَنْهُم أَنَّهُ تَمَتَّعَ، وَالتَّمَتُّعُ عِنْدَهُم يَتَنَاوَلُ الْقِرَانَ، وَاَلَّذِينَ رُوِيَ عَنْهُم أَنَّهُ أَفْرَدَ رُوِيَ عَنْهُم أَنَّهُ تَمَتَّعَ.
وَفي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" (١) عن غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْت سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَن الْمُتْعَةِ فِي الْحَجِّ فَقَالَ: "فَعَلْنَاهَا وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعَرْشِ -يَعْنِي: مُعَاوِيَةَ-".
وَهَذَا إنَّمَا أَرَادَ بِهِ سَعْدٌ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ، فَإِنَّ مُعَاوِيةَ لَمْ يَكُن أَسْلَمَ إذ ذَاكَ، وَأَمَّا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَكَانَ قَد أَسْلَمَ، فَكَذَلِكَ فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ.
فَسَمَّى سَعْدٌ الِاعْتِمَارَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مُتْعَةً لِأَنَّ بَعْضَ الشَّامِيِّينَ كَانُوا يَنْهَوْنَ عَن الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَصَارَ الصَّحَابَةُ يَرْوُونَ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ رَدًّا عَلَى مَن نَهَى عَن ذَلِكَ؛ فَالْقَارِنُ عِنْدَهُم مُتَمَتِّعٌ، وَلهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَدَخَلَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦].
وَقَد ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" (٢) "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ، الرَّابِعَة مَعَ حَجَّتِهِ".
وَقَد ثَبَتَ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَ الْحَجِّ، وَثَبَتَ أَنَ ابْنَ عُمَرَ وَعَائِشَةَ نَقَلَا عَنْهُ أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ الْحَجِّ (٣)، وَهَذَا هُوَ التَّمَتُّعُ الْعَام الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ الْقِرَانُ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْهَدْيِ. [٢٦/ ٦١ - ٧٥]
٣٢٢١ - كَانَ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَنَاسِكِ وَالْأَعْيَادِ يَذْهَبُ مِن طَرِيقٍ وَيرْجِعُ مِن أُخْرَى. [٢٦/ ١٣٤]
= الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَن أحَدٍ مِن الصَّحَابَةِ أَنَّهُ تَمَتَّعَ تَمَتُّعًا حَلَّ فِيهِ، بَل كَانُوا يُسَمُّونَ الْقِرَانَ تَمَتُّعًا، وَلَا نُقِلَ عَن أحَدٍ مِن الصَّحَابَةِ أَنَّهُ لَمَّا قَرَنَ طَافَ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سعيين. اهـ. (٢٦/ ١٠٤)(١) (١٢٢٥).(٢) البخاري (١٧٨٠)، ومسلم (١٢٥٣).(٣) بمعنى: قَرَنَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute