تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» (١). وَأَصلُ حَدِيثِ عَديٍّ رضي الله عنه يَقُولُ فِيهِ: «مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إلَّا وَسَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانُ» يَعنِي: وَاسِطةً، التُّرجُمَانُ: الوَاسِطةُ، بَلْ يُكَلِّمُهُ اللهُ كِفَاحًا مِنْ غَيرِ وَاسِطةٍ، «فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» (٢). يَعنِي: مَنْ لَمْ يَجِدْ صَدَقةً فَلْيرُدَّ بِردٍّ طَيِّبٍ، أَغْناكَ اللهُ، أَعْطاكَ اللهُ، وَمَا أَشْبهَ ذلِكَ.
كُنْتُ كَثِيرًا مَا أَذْكرُ حَدِيثَ عَائِشةَ رضي الله عنها الَّذِي رَوَاهُ البُخارِيُّ فِي «الصَّحِيحِ» - وهُوَ حَدِيثٌ عَظِيمٌ جَلِيلٌ، فِيهِ عِظةٌ وَدَلالَةٌ عَلَى فَضْلِ اللهِ سبحانه وتعالى وَسِعَةِ جُودِهِ - وهُوَ مَا رُوِيَ عَنْها رضي الله عنها أنَّهَا جَاءَتْها سَائِلةٌ - امْرَأةٌ تَسأَلُ - وَمَعهَا ابْنَتانِ، فَلَمْ تَجِدْ فِي البَيتِ إلَّا ثَلَاثَ تَمْرَاتٍ، فَأَعْطتْهُنَّ الثَّلَاثَ، فَدفَعَتْ الأُمُّ لِكلِّ وَاحِدةٍ مِنْ بَنَاتِها وَاحِدةً، وَرَفعَتِ الثَّالِثةَ لِتَأكُلَها، فَنَظرَ إِليْهَا ابْنَتاهَا يَطْلُبانِهَا الثَّالِثَةَ؛ فَشقَّتْهَا بَيْنهُمَا وَلمْ تَأكُلْ شَيْئًا؛ فَعَجِبتْ عَائِشةُ رضي الله عنها مِنْ ذلِكَ وَقَالَتْ: لَأذْكُرنَّ شَأْنَها إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلمَّا جَاءَ ذَكَرتْ لَهُ شَأْنَ المَرْأةِ وَابْنَتيْهَا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الجْنَّةَ» (٣). يَعنِي: بِهذِهِ الرَّحْمَةِ وَهَذَا العَطْفِ، تَمْرةٌ شَقَّتْهَا بَينَ ابْنَتيْهَا رَحْمةً لَهُما وَلمْ تَأكُلْ مِنْها شَيْئًا.
وَفِي هَذَا أيْضًا منَ الدَّلَالةِ عَلَى أنَّ المُسْلِمينَ أَصَابَهُم جَهدٌ فِي المَدِينَةِ، وَمَشقَّةٌ فِي المَدِينَةِ؛ حَتَّى إنَّ عَائِشةَ رضي الله عنها فِي بَعضِ الأَيَّامِ مَا تَجدُ شَيْئًا وَلَا
(١) رواه البخاري (١٤١٧)، ومسلم (١٠١٦) (٦٦).(٢) رواه البخاري (٦٥٣٩)، ومسلم (١٠١٦).(٣) رواه مسلم (٢٦٣٠) (١٤٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute