(١) وقوله: وفي فوريته وتراخيه لِخوف الفوات خلاف، تقريره: وفي كون الحج واجبًا على الفور في أول عام من أعوام القدرة، فإن أخره أثم ولو لم يخف الفوات، أو هو واجب على التراخي، حتى يخاف فواته بالتأخير خلاف.
قلت: قد نقلت في كتابي - الحج والعمرة على ضوء السنة المطهرة - أدلة وجوبه على الفور، ولا بأس بإيراد هنا ما استجلبته هناك من أدلة، حرصًا على الفائدة. ذكرت في كتابي آنف الذكر ما نصه: الذي يؤيده الدليل أن الحج واجب على الفور لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}(١) الآية. ولحديث أبي هريرة عند مسلم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَ اللهَ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا".
والأمر للوجوب عند جمهور علماء أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأمره عليه الصلاة والسلام واجب الامتثال لقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ}(٢). ولقوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}(٣). ولقوله - صلى الله عليه وسلم -. "إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا".
ولقد وردت أحاديث - يعضد بعضها بعضًا - تدل على وجوبه على الفور منها: ما روي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ - يعني الفريضة - فَإِن احَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ". رواه أحمد.
ومنها ما روي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس عن الفضل - أو أحدهما عن الآخر - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أرادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ فَإِنَهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الراحِلَةُ، وتَعْرِضُ الْحَاجَة".
رواه أحمد وابن ماجه، ومنها مرسل ابن ساباط عند أحمد وابن أبي شيبة، قال الشوكاني: وله طريق أخرى عن عليّ مرفوعًا عند الترمذي بلفظ: "مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللهِ وَلَمْ يَحُجُّ فلَا عَلَيْهِ أنْ يَمُوتَ يَهُودِيًا أَوْ نَصْرَانِيًا؛ وَذلِكَ لِأنَ اللهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} ". ومعلوم أن آيات من كتاب الله جاءت في الحث على مبادرة أوامر الله تعالى. منها قوله تعالى:{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}(٤). الآية. وقوله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}(٥). الآية.=
(١) سورة آل عمران: ٩٧. (٢) سورة الحشر: ٧. (٣) سورة النور: ٦٣. (٤) سورة الحديد: ٢١. (٥) سورة آل عمران: ١٣٣.