= (٢) وقوله: أو عرَّض، اتفق العُلماء على أنه إن صرح بالزنى كان قذفًا ورميًا موجبًا للحد، فإن عرَّض ولم يصرح، فقال مالك: هو قذف، واختلفت الرِّواية في ذلك عن أحمد، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يكون قذفًا حتى يقول: أردت به القذف. قال القرطبي: والدليل لمالك هو أن موضوع الحد في القذف إنما هو لإزالة المعرة التي أوقعها القاذف بالمقذوف، فإذا حصلت المعرة بالتعريض وجب أن يكون قذفًا كالتصريح، والمعول على الفهم. وقد قال تعالى مخبرًا عن شعيب أن قومه عرضوا به فقالوا. {إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}(١) أي السفيه الضال، فعرضوا له بكلام ظاهره المدح في أحد التأويلات حسبما تقدم في سورة هود، وقال تعالى في أبي جهل:{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}(٢). وقال تعالى حكاية لما عرض به بنو إسرائيل عن مريم:{يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}(٣). فمدحوا أباها ونفوا عن أمها البغاء أي الزنى، وعرضوا لمريم بذلك، ولذلك قال الله تعالى:{وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا}(٤) وكفرهم معروف، والبهتان العظيم هو التعريض لها، أي قولهم لها:{مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}. أي وأنت بخلافهما، وقد أتيت بهذا الولد. وقد عرض الله تعالى بالمشركين في قوله تعالى:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}(٥). فهذا اللفظ قد فهم منه أن المراد به أن الكفار على غير هدى، وأن رسوله على الهدى، قال: وقد حبس عمر رضي الله عنه الحطيئة لما قال للزبرقان بن بدر رضي الله عنه: