سواه، فنفيه سبحانه عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنْ يكون قادراً أنْ يُسمع الموتى إلا بمشيئته، هو كنفيه أنْ يكون قادراً على هداية الكفار إلا بمشيئته.
الدليل الثاني: أنَّ الله تعالى أثبت لنفسه القدرة على إسماع من شاء من خلقة بقوله: (إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ)، ثم نفى عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - القدرة على ما أثبته وأوجبه لنفسه من ذلك، فقال له:(وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) ولكن الله هو الذي يسمعهم دونك وبيده الإفهام والإرشاد والتوفيق، وإنما أنت نذير فبلغ ما أرسلت به. (١)
الأول: مناجاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لقتلى بدر من المشركين (٢)، وهذا الحديث الصحيح أقسم فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الأحياء الحاضرين ليسوا بأسمع لما يقوله - صلى الله عليه وسلم - من أولئك الموتى بعد ثلاث، وهو نص صحيح صريح في سماع الموتى، ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه تخصيصاً. (٣)
واعتُرِضَ: بأنَّ عائشة رضي الله عنها روت الحديث بلفظ: "إِنَّهُمْ الْآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ"، وهذا يدل على أنَّ الرواية التي فيها التصريح بالسماع غير محفوظة.
وأجيب: بأنَّ تأول عائشة رضي الله عنها بعض آيات القرآن، لا تُرد به روايات الصحابة العدول الصحيحة الصريحة عنه - صلى الله عليه وسلم -، ويتأكد ذلك بثلاثة أمور:
الأول: أنَّ رواية العدل لا تُرد بالتأويل.
الثاني: أنَّ عائشة رضي الله عنها لما أنكرت رواية ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنهم ليسمعون الآن ما أقول"، قالت: إنَّ الذي قاله - صلى الله عليه وسلم -: "إنهم ليعلمون الآن أنَّ الذي كنت أقول لهم هو الحق"، فأنكرت السماع ونَفَتْهُ عنهم، وأثبتت لهم العلم، ومعلومٌ أنَّ من ثبت له العلم صح منه السماع.
الثالث: هو ما جاء عنها مما يقتضي رجوعها عن تأويلها إلى الروايات
(١) انظر: المصدر السابق. (٢) سبق تخريجه في أول المسألة. (٣) انظر: أضواء البيان، للشنقيطي (٦/ ٤٢٢).