كُلُّهَا فِيهَا تَحَوُّلُ النَّفْسِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَعَمَلٌ لِلنَّفْسِ وَذَلِكَ حَرَكَةٌ لَهَا بِحَسَبِهَا؛ وَلِهَذَا يُعَبَّرُ عَنْ هَذِهِ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظِ الْحَرَكَةِ فَيُقَالُ: فُلَانٌ يَهْفُو إلَى فُلَانٍ كَمَا قِيلَ:
يَهْفُو إلَى الْبَانِ مِنْ قَلْبِي نَوَازِعُهُ … وَمَا بِي الْبَانُ بَلْ مِنْ دَارَةِ الْبَانِ
وَهَذَا اللَّفْظُ يُسْتَعْمَلُ فِي حَرَكَةِ الشَّيْءِ الْخَفِيفِ بِسُرْعَةِ كَمَا يُقَالُ: هَفَا الطَّائِرُ بِجَنَاحِهِ أَيْ خَفَقَ وَطَارَ وَهَفَا الشَّيْءُ فِي الْهَوَاءِ إذَا ذَهَبَ كَالصُّوفَةِ وَنَحْوِهَا (*) وَمَرَّ الظَّبْيُ يَهْفُو أَيْ يَطْفِرُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلزَّلَّةِ: هَفْوَةٌ كَمَا سُمِّيَتْ زَلَّةً وَالزَّلَّةُ حَرَكَةٌ خَفِيفَةٌ وَكَذَلِكَ الْهَفْوَةُ. وَكَذَلِكَ يُسَمَّى الْمُحِبُّ الْمُشْتَاقُ الَّذِي صَارَ حُبُّهُ أَقْوَى مِنْ الْعِلَاقَةِ " صَبَا " وَحَالُهُ صَبَابَةٌ وَهُوَ رِقَّةُ الشَّوْقِ وَحَرَارَتُهُ وَالصَّبُّ الْمُحِبُّ الْمُشْتَاقُ وَذَلِكَ لِانْصِبَابِ قَلْبِهِ إلَى الْمَحْبُوبِ كَمَا يَنْصَبُّ الْمَاءُ الْجَارِي وَالْمَاءُ يَنْصَبُّ مِنْ الْجَبَلِ أَيْ يَنْحَدِرُ. فَلَمَّا كَانَ فِي انْحِدَارِهِ يَتَحَرَّكُ حَرَكَةً لَا يَرُدُّهُ شَيْءٌ سُمِّيَتْ حَرَكَةُ الصَّبِّ " صَبَابَةً " وَهَذَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَحَبَّةِ الْمَحْمُودَةِ وَالْمَذْمُومَةِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: {أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا أَرْسَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِرِّيَّةٍ بَكَى صَبَابَةً وَشَوْقًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ}. وَالصَّبَابَةُ وَالصَّبُّ مُتَّفِقَانِ فِي الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ. وَالْعَرَبُ تُعَاقِبُ بَيْنَ الْحَرْفِ الْمُعْتَلِّ
(*) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ٥٤):وهذا تصحيف صوابه: (هفا الطائر بجناحه)، (وهفا الشيء في الهواء) والكلام السابق واللاحق كله عن هذا اللفظ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute