البادية فِراراً بدينه مِنَ الفتن؛ لما ورد من الإذن في اعتزالها، أخرج البخاري عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْحَجَّاجِ، فَقَالَ:"يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ، ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ، تَعَرَّبْتَ (١)؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَذِنَ لِي فِي الْبَدْوِ "(٢).
قلت: ولو أنَّ كلَّ إنسان فَرَّ مِنَ الفتن، أو لزم بيته، مَا كانت فتنة، فإذا وجدت النَّاس مختلفين، ورأيتهم يتقاذفون بأرواحهم نحو الفتن ولا جماعة لهم ولا إمام، فاعتزلهم، والزم بيتك حتَّى تنجلي الفتنة، ويطلع قمرُها، فتمشي مبصراً، فذلك أسلم لدينك ودنياك، أخرج أحمد عن عَبْد الله بْن عَمْرو، قَالَ:
" بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذْ ذَكَرُوا الْفِتْنَةَ ـ أَوْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ ـ قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا ـ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ـ قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ جَعَلَنِي الله فِدَاكَ؟! قَالَ: الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ مَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ (٣)، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ العَامَّةِ "(٤).