الدليل السابع: عن أنس - رضي الله عنه - قال: لما قدم المهاجرون المدينةَ من مكة وليس بأيديهم -يعني شيئًا- وكانت الأنصار أهل الأرض والعقار فقاسمهم الأنصار على أن يعطوهم ثمار أموالهم كل عام ويكفوهم العمل والمؤنة، وكانت أمه أم أنس أم سليم ... فكانت أعطت أمُّ أنسٍ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عذاقًا فأعطاهن النبي - صلى الله عليه وسلم - أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد (١).
وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهب الهبة لأم أيمن - رضي الله عنها -، فإن قيل: هذه عارية كما سبق وليست هبة؟ قيل: قال في "البدائع": (وهبة المنفعة تمليكها من غير عوض، وهو معنى العارية)(٢).
الدليل الثامن: عن عائذ بن عمرو المزني - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«من عرض له شيء من هذا الرزق من غير مسألة ولا إشراف فليتوسع به، فإن كان عنه غنيًا فليُوجهه إلى من هو أحوج إليه منه»(٣).
الدليل التاسع: عن أنس - رضي الله عنه - قال: أهدي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - التمر فأخذ يهدّيه. رواه الدارمي (ح ٢١٠٦)، وقال عقبه:(يُهَدِّيه يعني يرسله هاهنا وهاهنا).
الدليل العاشر: أنه مال ملكه ملكًا تامًا بطريق مباح صحيح فجاز له جميع التصرفات المشروعة والجائزة -ومنها الهبة- كإهداء الموروث والمشترى والمنفعة المستأجرة (٤).
(١) رواه البخاري، كتاب الهبة، باب فضل المنيحة (٣/ ١٦٥) (ح ٢٦٣٠)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير (٥/ ١٦٢) (ح ٤٦٠٣). (٢) بدائع الصنائع ٦/ ١٨٤. (٣) رواه أحمد (٣٤/ ٢٤٧،٢٤٤) (ح ٢٠٦٤٢،٢٠٦٤٧، ٢٠٦٤٨)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٥/ ١٨٢ - ١٨٣) (ح ٣٢٧٦) قال عنه المنذري: (إسناد أحمد جيد قوي) وتعقبه الألباني ولكنه صححه، وقال محققو المسند: (صحيح لغيره) وقال محقق الشعب: (ولكن فيه انقطاع). الترغيب والترهيب (ح ١٢٥٤)، الثمر المستطاب ١/ ١٥١، صحيح الترغيب والترهيب (ح ٨٥٠). (٤) وهناك أدلة أخرى، فإن قيل: هذا أمر لا خلاف فيه فلا داعي لكثرة الأدلة. قيل: كثير مما هو متقرر في الشريعة ولا خلاف فيه حصل من بعض الناس القدح فيه وإيراد الشبه عليها مع الاستدلال بها، وهذه المسألة شائعة كما ذكرت -الهدية لا تهدى ولا تباع-.