ومِنْ نَاحِيَةٍ أخْرَى تَشْتَمِلُ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى ذِكْرِ مَألِ المُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ، مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، وعَادٍ، وثَمُودَ، وقَوْمِ إبْرَاهِيمَ، وقَوْمِ لُوطٍ، وأصْحَابِ الأَيْكَةِ -عِلَاوَةً عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أمْرِ فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ- لِيَعْلَمَ الذِينَ سَيَقُومُونَ بِالتَّكْذِيبِ بِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ أمْرُهُمْ، وبِمَا سَيَلْقَوْنَ مِنْ مُؤَاخَذَةِ اللَّهِ إنِ اسْتَمَرُّوا عَلَى التَّكْذِيبِ، وليَعْرِفَ المُؤْمِنُونَ أَنَّ حُسْنَ العَاقِبَةِ لَهُمْ لَا لِلْمُكَذِّبِينَ (١).
ثُمَّ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (٢).
قَالَ ابنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أمَرَ رَسُولَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَصْدَعَ بِمَا جَاءَهُ مِنْهُ، وَأَنْ يُبادِيَ النَّاسَ بِأَمْرِهِ، وَأَنْ يَدْعُوَ إِلَيْهِ، وكَانَ بَيْنَ مَا أَخْفَى رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمْرَهُ، واسْتَترَ بِهِ إِلَى أَنْ أمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِظْهَارِ دِينِهِ ثَلاثَ سِنِينَ -فِيمَا بَلَغَنِي- مِنْ مَبْعَثِهِ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (٣).
رَوَى الإِمَامُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ عَنْ عبدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: ما زَالَ رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُسْتَخْفِيًا، حتَّى نَزَلَتْ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} فَخَرَجَ هُوَ وأصْحَابُهُ (٤).
(١) انظر الرحيق المختوم ص ٧٨.(٢) سورة الحجر آية (٩٤).(٣) انظر سيرة ابن هشام (١/ ٢٩٩).(٤) انظر تفسير الطبري (٧/ ٥٤٩)، وتفسير ابن كثير (٤/ ٥٥١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute