وعن جابر بن عبد اللَّه -رضي الله عنه- قال:"طاف رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- بالبيت وبالصفا والمروة في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه لأن يراه الناس وليشرف وليسألوه فإن الناس غشوه"(١).
وهذه التعليلات الجلية للصحابة رضوان اللَّه عليهم لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ طاف راكبًا أدت إلى صرفه عن دلالته الظاهرة والقاضية بندب الاستنان بأفعاله -صلى الله عليه وسلم- لا سيّما في التعبدات إلى غير ذلك من الإباحة أو خلاف الأولى.
المثال الرابع عشر: النزول بالمحصَّب (الأبطح)(٢):
عن الزهري عن سالم:"أن أبا بكر وعمر كانوا ينزلون بالأبطح"، وقال الزهري: وأخبرني عروة عن عائشة أنها لم تكن تفعل ذلك. وقالت:"إنما نزله رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- لأنه كان منزلًا أسمح لخروجه (٣) ") (٤).
وعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال:"ليس التحصيب بشيء إنما هو منزل نزله رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-"(٥).
هذا المثال كالذي قبله، والذي فيه أن عائشة وابن عباس رضي اللَّه عنهما لم يريا فعله -صلى الله عليه وسلم- إذ نزل بالمحصب حين صدر عن الحج فعلًا تعبديًا أو سنة
(١) مسلم، الصحيح، حديث رقم (٣٠٦٣). (٢) الأبطح: أي البطحاء التي بين مكة ومنى وهي ما انبطح من الوادي واتسع وهي التي يقال لها: المحصّب والمعرس. انظر: ابن حجر، فتح الباري، ج ٣، ص ٦٩١. (٣) أسمح لخروجه: أي أسهل لتوجهه إلى المدينة ليستوي في ذلك البطيء والمعتدل ويكون مبيتهم وقيامهم في السحر ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة. انظر: ابن حجر، فتح الباري ج ٣، ص ٦٩١. (٤) مسلم، الصحيح، حديث رقم (٣١٥٨). (٥) البخاري، الصحيح، حديث رقم (١٧٦٦).