﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ﴾ وحاشاه ﴿لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٥) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ (٦٦)﴾ [الزمر: ٦٥ - ٦٦]: وقدَّم الاسم الشريف لكي يدل على الاختصاص.
إذا عرفت هذا عرفت فكما قال الشيخ::: (فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ الشِّرْكَ إِذَا خَالَطَ الْعِبَادَةِ أَفْسَدَهَا، وَأَحْبَطَ الْعَمَلَ، وَصَاَر صَاحِبُهُ، مِنَ الْخَالِدِينَ فِي النَّارِ عَرَفْتَ): هذا جواب الشرط، (أَنَّ أَهَمَّ مَا عَلَيْكَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ)؛ المشار إليه ما تقدَّم، (لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُخَلِّصَكَ مِنْ هَذِهِ الشَّبَكَةِ): مراده بالشبكة: الشَّرَك الذي يقع به الإنسان أو الطير أو البهيمة، فإن من أراد أن يصيد صيدًا نشر له شبكة، أو شَرَكًا أو أُحبولة؛ لكي يقع فيها، ولا شَرَكَ ولا شبكة ولا أُحبولة أشد من شَرك الشِّرك وأحبولته، فإنها أخطر شيء.
فإذا عرف العبد ذلك وأدرك قيمة الإخلاص والتوحيد فإنه ينجو من هذه الشبكة الخطيرة (وَهِيَ الشِّرْكُ بِاللهِ الَّذِي قَالَ الله تَعَالَى فِيهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: ٤٨])؛ يعني: إن الله لا يغفر شركًا به ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨]): فبيَّن الله تعالى أنه سبحانه يمكن أن يغفر جميع الذنوب حتى وإن كانت كبائر، لكن لا يمكن أن يغفر الشرك؛ لأن الشرك ظلمٌ عظيم غير قابلٍ للمغفرة، فهذا دليلٌ على أن أعظم ما ينبغي أن يعتني الإنسان به ويمحض قلبه له هو تحقيق التوحيد لله ربِّ العالمين، والتخلص من الشرك.
والحاجة إلى هذا في أصل الدين ظاهرةٌ بيِّنة لكن الحاجة إليه أيضًا في إحسان العبادة للمؤمنين الموحِّدين أيضًا مهمة، فإن العبد ربما تخلَّص من أصل الشرك وهو صرف العبادة إلى غير الله؛ لكن يبقى بعد ذلك تحسينه وتكميله بحيث يؤديه على أكمل الوجوه لا يلتفت قلبه يمنةً ولا يسرة؛ بل يستحضر عبوديته لله تعالى فيما يأتي وما يذر، وهذا ميدانٌ