لا يكلف بما لا يقدر عليه، وإذا لم يكن مكلفًا بالأداء حال عسرته، فيجب إنظاره حتى يقدر على الأداء (١).
الدليل الثالث: عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»(٢).
وجه الدلالة من الحديث: أن الرسول الله ﷺ لم يجعل المطل ظلمًا إلا بالغنى، فإذا كان معسراً، فهو ليس ممن عليه سبيل إلا أن يوسر (٣).
الدليل الرابع: عن أبي سعيد الخدري ﵁ أنه قال: "أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:«تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ»، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِغُرَمَائِهِ:«خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ» "(٤).
وجه الدلالة من الحديث: أن في قول النبي ﷺ: «وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ» دلالة على تحريم مطالبة المعسر العاجز عن الوفاء بما بقى من دينه بعد أخذ ماله الموجود، ووجوب إنظاره حتى يقدر على الوفاء (٥).
الدليل الخامس: إجماع العلماء على وجوب إنظار المدين المعسر، العاجز عن الوفاء إلى وقت يتيسر له الأداء فيه. قال ابن رشد الحفيد (٦): "وأما المفلس
(١) المحلى، لابن حزم ٩/ ٢٦١، مجموع الفتاوى، لابن تيمية ٢٨/ ٧٤ (٢) سبق تخريجه (٣) انظر: الأم، للشافعي ٣/ ٢٠٦، المنثور في القواعد، للزركشي ١/ ١٠٣، شرح ميارة ٢/ ٢٣٣. (٤) رواه مسلم، كتاب المساقاة، باب استحباب الوضع من الدين، برقم ١٥٥٦. (٥) انظر: حاشية السندي على النسائي ٧/ ٢٦٥، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي ٢/ ١٥٨، مطالب أولي النهى، للرحيباني ٣/ ٣٧٢. (٦) هو محمد بن أحمد بن رشد، أبو الوليد المالكي، ولد سنة ٥٢٠ هـ، عني بالفلسفة وبمنطق أرسطو، كان متواضعا، منخفض الجناح، قيل عنه: إنه ما ترك الاشتغال مذ عقل سوى ليلتين: ليلة موت أبيه، وليلة عرسه. أبرز مصنفاته: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، توفي سنة ٥٩٥ هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي ٢١/ ٣٠٧، الأعلام، للزركلي ٥/ ٣١٨.