صدر الشافعي الكلام في رهن المشاع في "المختصر" بقوله: "ما جاز بيعه جاز رهنه"(١) ولم يذكر هذه القاعدة إلا في هذا المكان، فمن الناس من رواها "من" كما قدمنا والمشهور رواية "ما" وعلى هذا اختلف الأصحاب فيها على ثلاثة أوجه؛ أحدها: أن الشافعي قصد بذلك ما أفصح به في آخر كلامه من رهن المشاع؛ ردًّا على من أجاز بيعه ومنع رهنه فقال:"ما جاز بيعه جاز رهنه" من مشاع وغيره، فأما الجمع بينهما في كل موضع فلا.
والثاني: أنه أراد بذلك الغالب، والمعظم ما جاز بيعه جاز رهنه وما لا فلا وقد يكون من الأشياء ما يجوز بيعه ولا يجوز رهنه، وما يجوز رهنه ولا يجوز بيعه، وهذا التأويل نسبه الشيخ أبو حامد إلى أبي العباس بن القاص، وأنه جعل جملة الأشياء أربعة أضرب: ضرب يحوز بيعه ورهنه؛ كالدواب والثياب والعقار، وضرب لا يجوز بيعه ولا رهنه كالوقف والمكاتب وأم الولد، وضرب يجوز بيعه ولا يجوز رهنه على أحد القولين، كالمدبر والمعتق بصفة، وما يسرع فساده بدين مؤجل يفسد قبل حلوله، وضرب يجوز رهنه ولا يجوز بيعه كالأمة دون ولدها والثمرة قبل بدو الصلاح مطلقًا، وهذان الوجهان متقاربان، وإليهما يميل كلام إمام الحرمين.
والوجه الثالث وهو الذي اختاره الشيخ أبو حامد، وقال الماوردي:"إنه قول المحققين من أصحابنا"(٢): أن كلام الشافعي محمول على حقيقته، وكل ما جاز بيعه جاز رهنه، و ما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه، والمدبر إذا منعنا رهنه لا يرد؛ لأن مشتريه يجوز له أن يرهنه، وإن لم يجز أن يرهنه
(١) مختصر المزني (٨/ ١٩١). (٢) الحاوي الكبير (٦/ ١٢).