كان أعظمَ عليَّ منها. فلما سلم أشار بيده إلى القوم فقال: إن الله أحدث في الصلاة ألا تتكلموا فيها إلا بذكرِ الله، وأن تقوموا لله قانتين " (١).
والحديث الأول يدل على أن جواز الكلام في الصلاة كان قبل الهجرة إلى المدينة، وأن تحريم الكلام كان بمكة، وبذلك تتبين الرواية الثانية، وما رواه " البخاري، ومسلم " عن عبدالله بن مسعود، قال: " كنا نسلم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمتُ عليه فلم يرد عليَّ، فقلنا: يا رسول الله، كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا. فقال: إن في الصلاة شغلا " (٢).
وبالتاريخ الذي سقناه يتبين الردُّ على من قال: إن (حديث ابن مسعود) ناسخ لحديث أبي هريرة في الكلام، في (حديث ذي اليدين)(٣). ووجه الرد: تبين تقدمُ حديث ابن مسعود، وتأخرُ حديث أبي هريرة، ومن روى نحو رواية أبي هريرة. ومجيءُ عبدالله بن مسعود من أرض الحبشة إلى مكة، قبل الهجرة؛ رواه " أبو داود الطيالسي (٤)" ورواه غيرُ واحد من أصحاب السِّيَر، وإسلام أبي هريرة إنما كان عامَ خيبر. روى " البخاري " من رواية أبي هريرة: عن عنبسة بن سعيد بن العاص عن أبي هريرة قال: " قدمت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بخيبرَ لما افتتحوها " (٥). وقد روى " عمران بن حصين " حديثَ السهو ومنه قصةُ ذي اليدين - وسماه الخرباق - (٦) نحو رواية أبي هريرة. وعمران بن الحصين كان إسلامه بعد بدر.
وروى " معاوية بن حُدَيْج ": " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى يومًا فسلَّم وقد بقيتْ من الصلاة ركعةٌ، فأدركه رجل فقال: نسيتَ من الصلاة ركعة. فرجع فدخل المسجد
(١) الاعتبار للحازمي، باب ما نسخ من الكلام في الصلاة: ١٤٣. (٢) البخاري في الصلاة، باب ما ينهى من الكلام في الصلاة، وفي الهجرة إلى الحبشة (فتح الباري ٣/ ٤٧، ٧/ ١٣٢) ومسلم في المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته: ح ٩٧، ٩٩ (٥٧٣). (٣) ذو اليدين، خرباق السلمي: روى أبو هريرة حديثه في مراجعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد رآه سها في صلاته. انظره في (الاستيعاب: ٧٢٤) والحديث متفق عليه (اللؤلؤ والمرجان ١/ ١٢٦ ح ٣٣٧) في سجود السهو. وانظر (فتح الباري ٣/ ٦٢). (٤) مسند الطيالسي: ٣٠٨ (٢٣٥٣). (٥) البخاري، ك المغازي، خيبر (فتح الباري ٧/ ٣٤٤). (٦) مسلم، المساجد، باب السهو في الصلاة، ح (١٠١/ ٥٧٣).