ويَدلُ على ذلِكَ نَقلُ الأئمةِ قَديماً وَحديثاً مِن التوراةِ، والزامهمُ اليَهودَ بالتصديقِ بِمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - / ١١١ أ / بما يَستخرجونهُ مِن كِتابِهِم، وَلولا اعتقادُهُم جَوازَ النَظرِ فيهِ، لَما فَعلوه، وَتوارَدوا عليهِ)). (١) انتهَى.
وَإذا تُؤمِلَ كلامُ أئمتِنا وإمامِهم أرشدَ إلى ذلِكَ، قالَ الشافِعي -رَحِمَهُ اللهُ- في " الأمِّ " (٢) في بابِ تَرجمتِهِ كتبِ الأعاجمِ مَا نصُه: ((وَما وجِدَ مِن كتبهِم فَهو مَغنمٌ كُلهُ، وَينبغِي للإمامِ أنْ يدعوَ مَن يترجمهُ، فإنْ كانَ عِلماً مِن طِبٍّ أو غَيرهِ لا مكروهَ فيهِ باعَهُ، كَما يبيعُ ما سِواهُ مِنَ المغانمِ، وإنْ كانَ كتابَ شِركٍ شَقوا الكِتابَ فانتفَعوا بأوعيتِهِ وأداتهِ، فباعهَا، ولا وجهَ لتحريقهِ، ولا دفنهِ قبلَ أن يعلَمَ مَا هوَ)).
فهو كما ترى قَد عمَّ، ولَم يَخصَّ توراةً، ولا غيرَهَا، وَقيدَ ما يشقُ بكونهِ كتابَ شِركٍ، وأباحَ الانتفاعَ بمَا لا مكروهَ فيهِ، وَجعلَ مِعيارَ ذلِكَ النَظرَ، وزجرَ عَن إتلافِهِ قبلَ معرفتهِ، فَكلُّ ما صدّقَهُ كتابُنا، بَل ما لَم يكذبهُ لا مكروهَ فيهِ، وَكلُّ مَن نصَّ على التوراة والإنجيل، منَ الأصحابِ عَلَّلَ ذلِكَ بالتَبديلِ، فَيجعلُ ذلِكَ هوَ المَدار، وَادعاؤهُ في الكلِّ مكابرةٌ؛ فَيخصُّ بما بُدِّلَ مِنهَا بشهادةِ الذِكرِ الحَكيمِ.
وقالَ البغويُّ: ((إنَّهُ يجوزُ للجنبِ قراءتهمَا)) وَأوضحُ منهُ في جوازِ مطالعتهِما وَاحترامِهمَا نَقْلُ الشيخِ محيي الدِينِ النَوويِّ في " شرحِ المهذَبِ " (٣) عَن المتولي: ((أنَّهُ إنْ ظنَّ أنَّ فيهمَا شيئاً غيرَ مبدلٍ، كُرِهَ مسُّهُ - أي: للمحدثِ - ولا يحرمُ)) / ١١١ب / وأقرّهُ عليهِ، واللهُ الموفقُ.
(١) فتح الباري ١٣/ ٦٤٤.(٢) ٤/ ٢٦٣.(٣) المجموع ٢/ ٨٧.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute