لعمري لقد أمهلت في نهي خالد ... عن الشّام إمّا يعصينّك خالد [١]
وأمهلت في إخوانه فكأنّما ... تسمّع بالنّهي النّعام المشرّد
وقال الذي زعم أنّها تسمع: فقد قال الله عزّ وجلّ: أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ
[٢] ولو عنى أنّ عماهم كعمى العميان، وصممهم كصمم الصّمّان، لما قال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها
[٣] وإنّما ذلك كقوله: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ*
[٤] وكيف تسمع المدبر عنك! ولذلك يقال: «إنّ الحبّ يعمي ويصمّ» [٥] . وقد قال الهذليّ: [من الطويل]
تسمّع بالنّهي النّعام المشرّد
والشارد النافر عنك لا يوصف بالفهم. ولو قال: تسمع بالنّهي، وسكت- كان أبلغ فيما يريد. وهو كما قال الله تعالى: وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ*
[٤] . قال الرّاجز [٦] : [من الرجز]
ردي ردي ورد قطاة صمّا ... كدريّة أعجبها برد الما [٧]
أي لأنها لا تسمع صوتا يثنيها ويردّها.
وأنشد قول الشاعر [٨] : [من الطويل]
دعوت خليدا دعوة فكأنما ... دعوت به ابن الطّود أو هو أسرع
والطّود: الجبل. وابنه: الحجر الذي يتدهده [٩] منه، كقوله [١٠] : [من الطويل]
كجلمود صخر حطّه السّيل من عل
[١] في ديوان الهذليين «أمهلت: أي نهيته في مهلة قبل أن يأزف أمره، أي جعلت له مهلة ولم أجد بنفسه، وكان نهاه أن يهاجر، وقوله: إما يعصينك خالد، أي: عصاك خالد» .
[٢] ٢٣/محمد: ٤٧.
[٣] ٢٤/محمد: ٤٧.
[٤] ٨٠/النمل: ٢٧.
[٥] هذا القول من الأمثال في مجمع الأمثال ١/٧٨، ١٩٦، وجمهرة الأمثال ١/٣٥٦ والمستقصى ٢/٥٦، وفصل المقال ٣٢٠، وأمثال ابن سلام ٢٢٤، والأمثال لمجهول ٥٧.
[٦] الرجز بلا نسبة في اللسان والتاج (صمم) ، والوساطة ٤٠٢.
[٧] الكدرية: ضرب من القطا قصار الأذناب، والقطا: ثلاثة أضرب، كدري وجوني وغطاط. انظر اللسان (كدر) .
[٨] البيت بلا نسبة في اللسان والتاج (طود) ، وأساس البلاغة (بني، طود) والتهذيب ١٤/٤، والمخصص ١٣/٢٠٢.
[٩] يتدهده: يتدحرج.
[١٠] صدر البيت (مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا) وهو لامرئ القيس من معلقته في ديوانه ١٩، واللسان